للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في شهود قيوميته، لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة"١.

وقد آل بهم استغراقهم في توحيد الربوبية، والوقوف عند المشيئة العامة الشاملة إلى اطراح الأسباب، حتى قال قائلهم: العارف لايعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً؛ لاستبصاره بسر الله في القدر٢.

٣ - موقف أهل السنة من لفظ العارف:

لم يرد العارف بهذا اللفظ في كتاب الله، وورد الفعل عرف بتصريفاته وبعض اشتقاقاته، نحو قوله - تعالى -: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد - ٣٠] ، وقوله - تعالى -: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة - ١٤٦] ، وورد الفعل عرف بتصريفاته في السنة، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام، على من عرفت، وعلى من لم تعرف" ٣. واختار الله لنفسه لفظ العلم، ولم يصف نفسه بالمعرفة. وليس للفظ العارف مكانة دينية، أو أهمية خاصة، بل الذي يتردد عند أهل السنة هو لفظ العلم والعالم.

والصوفية يرجحون لفظ العارف على العالم، وكثير منهم - كما يقول ابن القيم٤ - لا يرفع بالعلم رأساً، ويعده قاطعاً وحجاباً دون المعرفة. وهذا باطل، فالله - عز وجل - امتدح أهل العلم، في أكثر من آية، ومنه قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر - ٩] ، والآيات والأحاديث في فضل العلم والعلماء كثيرة، ليس هذا محل التفصيل فيها.

وأما العارف في اصطلاح الصوفية فهو في الحقيقة ضلال وانحراف، إذ ليس بعارف من آل به الأمر إلى ترك الأسباب، وعدم التمييز بين المعروف والمنكر، والحق والباطل، بل هو خروج عن العلم والدين.


١ - الاستغاثة ١/٣٥٥.
٢ - انظر: طريق الهجرتين ص٤٩٥.
٣ - أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان باب السلام للمعرفة وغير المعرفة ٥/٢٣٠٢، ح ٥٨٨٢.
٤ - انظر: المدارج ٣/٣٣٥.

<<  <   >  >>