للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "ولكن القوم اصطلحوا على وضع هذه اللفظة لتجريد شهود الحقيقة الكونية والغيبة عن شهود الكائنات"١. وسيأتي تفصيل أقسامه عند بيان موقف أهل السنة منه.

٣ - موقف أهل السنة من مصطلح الفناء:

لم يرد مصطلح الفناء في كتاب الله، ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ورد الفعل فنى في قوله - تعالى -: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن - ٢٦] أي هالك وذاهب٢. والفناء المذكور في الآية، ليس هو الفناء الذي تشير إليه الصوفية، فإن الفناء في الآية الهلاك والعدم، حيث أخبر - سبحانه - أن كل من على الأرض يعدم ويموت، ويبقى وجهه - سبحانه - ٣.

كما لم يرد في كلام الصحابة والتابعين، مدح لفظ الفناء، ولا ذمه، ولا استعملوا لفظه في المعنى الذي يشير إليه الصوفية البتة، ولا ذكره مشايخ الطريق المتقدمون، ولا جعلوه غاية. فهذا اللفظ لا ينكر مطلقاً، ولا يقبل مطلقاً، بل لا بد فيه من التفصيل، وبيان صحيحه من معلوله، ووسيلته من غايته٤.

والفناء مصطلح يحتمل عدة معان؛ منها ما هو صحيح، ومنها ما هو نقص، ومنها ما هو كفر.

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والمعنى الذي يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام: فناء عن عبادة السوى، وفناء عن شهود السوى، وفناء عن وجود السوى.

فالأول: أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبخوفه عن خوف ما سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه. وهذا هو حقيقة التوحيد والإخلاص الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو تحقيق


١ - مدارج السالكين ١/١٥٤ - ١٥٥.
٢ - انظر: تفسير الطبري ٢٧/١٣٤، تفسير ابن كثير ٤/٢٧٣.
٣ - انظر: مدارج السالكين ٣/٣٦٨.
٤ - انظر: المرجع السابق ٣/٣٧٧ - ٣٧٨، بتصرف.

<<  <   >  >>