للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما وصل رسول بدر الدين سيره باطنا إلى السلطان الملك الناصر واجتمع بالصاحب كمال الدين والشيخ نجم الدين الباذرائي - رسول الديوان - فاتفقا والملك المظفر علاء الدين علي بن بدر الدين لؤلؤ. ولم يزالوا إلى أن أخذوا منديل السلطان الملك الناصر بأنه متى خلا وجهه من جهة المصريين يأذن له في أخذها.

ولما وصلتُ أنا إلى الجزيرة تعلق بي الملك المسعود وقال: أنا أسلم إليك الجزيرة وأتوجه إلى الملك الناصر وتقيم أنت فأبيت ذلك، وخرجتُ من الجزيرة، وتوجهت إلى ماردين.

رجعنا إلى ما جرى بين بدر الدين صاحب الموصل ورسل التتار الواصلين بالحوالة ولما وصلت الرسل - المقدم ذكرهم - إلى بدر الدين أحضرني وأحضرهم، وادَّعوا عليه بالمائة ألف دينار، فكان جوابه: إنني مملوك السلطان الملك الناصر ونائبه في البلاد. وأنا أخطب له، والبلاد بلاده، فإن وافقكم في الوزن وزنت.

وكان جوابي أن قلت: ونحن معنا يغالغ تُخلصنا، مضمونها أننا لا نقبل حوالة، ولا نُنجد بعسكر. فحرَّجوا على بدر الدين وخاطبوه بما لا يليق.

فقال لي: أنت ما جئت بهم إلا حتى أخرقوا بي.

فقلت له: أنت كنت السبب في جسارة هؤلاء عليك وعلينا فحمله هذا القول على أنه أخرق بهم وأقامهم من مجلسه أقبح قيام.

ثم أُحضر نائب للتتر بالموصل يقال له نوين، فشكا إليه منهم، فأحضرهم وعنّفهم ثم أحضرهم إليَّ وأنا نازل في دار السِّباع بالموصل وكان جوابي للرسل: نحن ما نزن لكم شيئا ولا نقبل حوالة حسب ما تقتضيه البوايز التي بأيدينا، وهؤلاء الملوك جميعهم تابعون لنا لا يعطونكم شيئا، وخرجوا من الموصل شاكين مني ومن بدر الدين وخرجوا من بلاد الموصل، ودخلوا في أرض إربل فسير بدر الدين في السر جماعة قطعوا عليهم الطريق، وقتلوهم عن آخرهم، وأخذوا ما معهم من القماش وآلات. فلما بلغ نوين ذلك حضر إلى عند بدر الدين وعتبه على ذلك. فقال: ما قُتلوا في أرضي، على أنني لابد ما أبحث عمن فعل هذا الأمر ... وتقدم إليهم في السر أن يحضروا معهم، من سائر قلاعه من وجب عليهم القتلُ. فغابوا مدة وقدموا ومعهم جماعةٌ في جريدٍ، فأمر بشنق الجميع، ودفع إلى نوين ما كان معهم من القماش وقال: هؤلاء الذين تعدَّوا على الرسل، وهذا ما كان أخذوه منهم، فأعجب ذلك نوين ورضي به. ثم قال لي بدر الدين سرا: رأيت هذا الأمر؟! أيُحسن مولانا السلطان الملك الناصر بعمل مثله؟.

[ذكر ملك بدر الدين لؤلؤ الجزيرة]

قد تقدم القول بأنَّ السلطان الملك الناصر أعطى منديله للشيخ الباذرائي وللملك المظفر علاء الدين علي - ولد بدر الدين صاحب الموصل - على ما تقدم من الشرط. وهو أنه متى خلا وجهه من جهة مصر أذِن لبدر الدين في أخذ الجزيرة. فلما وصل المنديل إليه، لم يقف مع الشرط، بل سار إليها ونازلها وحاصرها إلى أن ملكها في شهر رجب من سنة تسع وأربعين وستمائة. وقبض على الملك المسعود وأركبه في زورق وسيره إلى نحو الموصل وكان آخر العهد به، وهو آخر من كان قد بقي من بيت أتابك. وكان مدة ملكهم مائة وسبعا وخمسين سنة، من حيث ولي آق " سنقر " والد عماد الدين زنكي إلى حيث غرق الملك المسعود هذا. فسبحان من لا يدوم إلا ملكه!!.

ولما ملكها بدر الدين أنعم بها على ولده الملك المجاهد سيف الدين إسحاق فلم تزل في يده نيابة عن أبيه إلى أن توفي بدر الدين في شعبان من سنة سبع وخمسين وستمائة. فاستقل ولده الملك المجاهد بها، ولم تزل في يده إلى أن استولت التتر على الشام فحصل لأخيه الملك الصالح من الخوف من العدو ما أخرجه من الموصل. وكان ملكها بعد أبيه، وانتجع الديار المصرية فلم يمكن أخوه التخلف بعده، فتركها ولحقه إلى الديار المصرية، وهو باق بها إلى حين وضعنا هذا الكتاب في سنة تسع وسبعين وستمائة. وفي خدمة ملوك مصر.

وعادت الجزيرة إلى ملك التتر، وبها نوابهم إلى حين وضعنا الكتاب، وهو سنة تسع وسبعين وستمائة.

[ذكر ما كان بيد الملك الناصر من بلاد الجزيرة]

الذي كان بيده من بلاد الجزيرة: حران والرها وسروج والرقة وقلعة جعبر والبيرة وجملين والموزر.

ومن ديار ربيعة: نصيبين ورأس عين ودارا والخابور - بكماله - وقرقيسيا خلا سنجار وبلد وجزيرة ابن عمر.

[ذكر ديار بكر]

وهذا الخبر يشتمل على أمصار وحصون: فالأمصار أربعة وهي: - آمد.

<<  <   >  >>