للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستولى ابن دمنة على آمد وميافارقين وكاتبته الخلفاء العباسيون والمصريون، وأتته هداياهم وتواقيعهم وهدايا الملوك من جميع النواحي، وأعطى الجزيل من الأموال، وسار ذكره، فقصدته الشعراء وامتدحته، وقصده التُهامي وامتدحه.

وكان إذ ركب يُقاد بين يديه سبعون جنيبا بمراكب الذهب المرصعة بالجواهر، وقوي أمره وعظم شأنه.

وكانت ولايته ثماني وعشرين سنة، ذكره أحمد بن يوسف ابن علي بن الأزرق - صاحب تاريخ ميافارقين -. وذكر ابن الأثير، أن ولاية ابن دمنة كانت ثلاثا وعشرين سنة.

[ذكر تمليك أبي علي بن مروان]

كان السبب في ذلك أن أهل آمد وميافارقين أنفت أنفسهم من ولاية ابن دمنة عليهم، فكاتبوا أبا علي بن مروان، وكان إذ ذاك بحصن كيفا فوصل إليهم، فملكوه آمد وميافارقين ورأى من أهل ميافارقين جفاء في حقه. فتربص بهم إلى أن كان يوم العيد، وقد خرجوا إلى المصلى، وكان يف البلد شيخ يرجع أهل البلد إلى رأيه فقبض عليه وقتله ورمى برأسه من على السور، وغلق الأبواب البلد وقال لمن كان خرج إلى الصلاة: اذهبوا حيث شئتم.

[ذكر ملك ممهد الدولة أبي منصور بن مروان]

لما ملك أبو علي بن مروان البلد وغلق أبوابه على من خرج من أهله للصلاة يوم العيد. لم يكن أسرع من أن وصل ممهد الدولة أبو منصور بن مروان فملك ميافارقين واستقر بها، وملك آمد وجميع ديار بكر وقوي أمره، وراسل الملوك وخليفتي بغداد ومصر، وجاءته التوقيعات والتشاريف من الملوك. وعمر بسور ميافارقين مواضع عديدة.

قال ابن الأزرق - صاحب تاريخ ميافارقين -: ولقد عددت اسمه في اثنين وعشرين موضعا من أبرجة وبدنات.

" وانهد برج باب المدينة، وهو بين برجي الطبالين، إلى أن عمل هذا البرج، فلما فرغ ركب عليه بابا، وغلق باب قلوفح ".

وبقي الممهد متوليا إلى سنة إحدى وأربعمائة.

[ذكر قتل ممهد الدولة وملك شروة]

كان هذا شروة متوليا أموره، وكان قد قربه قربا زائدا، وأحبه محبة عظيمة، بحيث إنه أطلعه على نسائه، وحرمه، حتى قال له يوما: روحي دون روحك يا أب شجاع، ويومي قبل يومك.

وكان لشروة غلام يُسمى ابن فيلوس وكان يحبه محبة زائدة. وكان قلده الشرطة. وكان الممهد شديد البغض لهذا ابن فيلوس لا يستطيع أن يراه، وهمَّ بقتله مرارا " ثم " كان يُحفِظُ فيه قلب شروة. " وعلم ابن فيلوس منه ذلك فخلا يوما مع شروة " وقال له: أنت تعلم ما أنا عليه من المحبة والمناصحة لك، ومع هذا فإن حياتي مقرونة بحياتك، وأُعلمك أن رأي الأمير قد فسد فيَّ وفيك. وهذا التقريب الذي تراه منه خديعة ومكر إلى أن يتبين له وجه الفرصة ثم يبطش بنا.

فقال له شروة: فما الرأي؟ قال: قتله، وتأخذ لنفسك، وإلا هلكنا.

فقال له شروة: ما يراني الله أن أغدر به، ولا أنقض عهده! وله عليَّ من الإحسان ما قد عرفه الناس وقد أطلعني " على " حرمه. فقال له: إن مهجتك أحب إليك من قربه ومحبته، فهما خديعة. ولم يزل يردد هذا الكلام في نفس شروة إلى أن أثبته في نفسه. فدسَّ إليه السم مرارا فلم يقدر الله تعالى عمله فيه.

<<  <   >  >>