للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم تزل في يده إلى أن تسلمها الملك الصالح نجم الدين أيوب أبن الملك الكامل، سنة ثلاث وأربعين وستمائة.

ولم تزل في يده إلى أن توفي في الخامس عشر من شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة. وولي بعده ولد الملك المعظم. ولم تزل في يد نوابه إلى أن قُتل في المحرم سنة ثمان وأربعين، وملك الناصر صاحب حلب دمشق، فبذل لنوابه مالاً حتى سلْموه له، وانعم على قاضيه بألفي دينار فلم يأخذها.

وبقي الحصن في يده إلى أن استولى التتر على البلاد وانقضت دولة الناصر، وخرج من دمشق هارباً.

فلما نزل التتر على الحصن عصي عليهم من فيه فوصل إليه الملك الناصر المذكور، ودخله، وسلمه إليهم، وذلك في رجب فاستولى على جميع حواصله وذخائره وكان به جوارٍ للملك الناصر فأنزلوهن منه حفاةً عراةً، وهدموا شراريف القلعة.

ولم يزل في أيديهم إلى أن كسروا على " عين جالوت " في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمئة، فتسلمه الملك المظفر، وأمر بعمارته.

ولما قتل الملك المظفر في ذي القعدة من السنة، واستولى الملك الظاهر على البلاد المصرية والشامية صار إليه بعد أن ملك دمشق في صفر سنة تسع وخمسين وستمائة، فجدّده وعمره، ونقل إليه الذخائر، وولّى فيه عز الدين أيبك العلائي. ولم يزل في يده إلى أن نقله قلعة صفد لما فتحها وولّى فيه الأمير سيف الدين وهو بها إلى عصرنا الذي وضعنا فيه هذا الكتاب.

ثم لما توفي الملك الظاهر ثامن عشري محرم سنة ست وسبعين صار إلى ولده الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة قان، فاستمر بيده إلى أن خرج الملك عنه لأخيه الملك العادل سيف الدين سلامش ليلة الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر من سنة ثمان وسبعين، وولى أتابكيته الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي.

فلم يزال في يد نواب الملك العادل إلى أن جلس السلطان الملك المنصور المذكور، على تخت الملك يوم الثلاثاء خامس عشري شهر رجب من سنة ثمان وسبعين، فسير إليه نوابه واستمر بيده

ذكرُ ما في هذا الجند من البلادِ الساحلية

وهي: عرقة - وجبيل - وصيدا - وبيروت - وأطرابلس فأما عرقة فمدينة قديمة في سفح جبل قليل العلوّ، والبحر منها على ثلاثة أميال. ولها في وسطها حصنٌ عالٍ حصين. وشرب أهلها من مياه تأتيهم من نهر يجري ملاصق لها، عليه أرحاء، وبها قصب السكر؛ وبناؤها بالجصّ والتراب.

طولها ستّ درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة ودقيقتان.

قال البلاذري: " أتى يزيد بن أبي سفيان بعد فتح دمشق - صيدا - وبيروت - وعرقة، وجبيل، وهي سواحل؛ وعلى مقدمته أخوه معاوية ففتحا فتحا يسيراً وأجلى كثيراً من أهلها. وتولى فتح عرقة معاوية بنفسه في ولاية يزيد. ثم إن الروم غلبوا على هذه السواحل في آخر خلافة عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - وأول ولاية عثمان، فقصدهم معاوية فأخرجهم عنها، ثم رمها وشحنها مقاتلة.

قلتُ: ولم تزل ثغور الشام يتصرف فيها نواب من يلي الأجناد الشامية أيام بني أمية، وصدراً من أيام بني العباس إلى أن ملك العبيديون الشام، فاعتنوا بالثغور، فأفردوها، وولوا في كل ثغرٍ منها والياً من مصر، ورتبوا معه جنداً لحفظه من عدوٍ يقصده.

ولم تزل " عرقة " يتصرف فيها نواب من يلي دمشق، إلى أن خرج ملك الروم " قانورا "، وقصد نواحي حلب وفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة فاستولى على كثير من بلاد الشام ثم سار إلى عرقة فأخذها وسبى أهلها في سنة تسع وخمسين وثلثمائة، وذلك في أول مُلك المصريين الشام.

ثم خرج عن البلاد، فعاد المسلمون إليها وسنوها، واستمرت في أيديهم إلى أن قصدها باسيل ملك الأرمن فملكها، وهدمها، وانصرف عنها إلى بلاده وذلك في سنة تسعين وثلاثمائة. ثم عاد المسلمون إليها فعمروها. ولم تزل بعد في يد نواب من يلي دمشق إلى أن تغلب عليها خلف بن ملاعب لما ملك حمص، والأمير يومئذ على دمشق معلىّ حيدرة بن منزو من قبل المستنصر صاحب مصر.

<<  <   >  >>