للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم تزل في يده إلى أن أخذ منه حمص تاج الدولة تتش وذلك في سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. ولم تزل في يد تاج الدولة تتش، ثم في يد ولده شمس الملوك دقائق، من بعده، إلى أن نزل عليها الفرنج، وفيها نائب له فكتب إليه يستنجده، فبعث إليه ظهير الدين طغتكين الأتابك في عسكر، فالتقى بالفرنج وكانوا سمعوا بمجيئه فساروا إليه، ووقعتْ بينهما حرب كانت على الأتابك، فعاد إلى دمشق، ورجع الفرنج إلى " عرقة " فحاصروها، حتى نفذ قوت من فيها، وتسلّموها بالأمان.

ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها الملك العادل نور الدين محمود سنة سبع وستين وخمسمائة.

وبقيت في أيدي المسلمين إلى أن مات الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وتخاذل أولاده بعضهم عن بعض، تغلب عليها البرنس صاحب أنطاكية وأطرابلس.

ولم تزل في يده إلى أن قصدها السلطان الملك الظاهر ركن الدين، ففتحها عند فتحه " حصن الأكراد " في رجب سنة تسع وستين وستمائة.

ولما وقعت بين السلطان الملك الظاهر وبين صاحب أطرابلس الهدنة على المناصفات في البلاد التي في يده، نزل له من " عرقة " ولم ينصفه عليها. وهي في يده في عصرنا الذي وضعنا فيه هذا الكتاب.

جُبيل

وهي مدينة حسنة على البحر، لها سور من حجر حصين. وليس بها ماء جار. وإنما يشرب أهلها من الآبار. لم تزل في يد من يلي دمشق منذ فتحت إلى أن انتقلت إلى المصريين، وولوا فيها من قبلهم.

وجرى الأمر فيها على ذلك إلى أن تغلب أمين الدولة أبو طالب بن عمار قاضي " طرابلس " عليها، فيما تغلب عليه من بلاد الشام.

ثم صارت من بعده لفخر الملك أخيه ولم تزل في يده، إلى أن أخرج الفرنج لحصار " أطرابلس "، فنزلوا على حصن " جبيل " وضايقوه حتى ملكوه بالأمان من نواب فخر الملك، ثم غدروا بأهله، وأستأصلوا أموالهم بأنواع العقوبات في سنة سبع وتسعين " وأربعمائة ".

وقرأت في تاريخ ابن الأثير: أنها أخذت بالأمان بعد أخذ أطرابلس، وكان ابن عمار بها في ذي الحجة من سنة ثلاث وخمسمائة، وخرج سالماً إلى دمشق.

ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها صلاح الدين يوسف بن أيوب في جمادي الأول سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. وبقي في أيدي المسلمين إلى أن باعته الاكراد للفرنج بستة آلاف دينار سنة تسعين وخمسمائة وهي في أيديهم إلى الآن.

[صيدا]

وهي على ساحل البحر. وعليها سور من حجارة تنسب لرجل من ولد كنعان بن حام. وكورتها كثيرة الأشجار، غزيرة الأنهار، لها أربعة أقاليم، متصلة بجبل لبنان، تشتمل على نيّف وستمائة ضيعة.

وشربُ أهلها من ماء يجري إليها من جبلها في قناة. وبها عينُها المعروفة ينشأ بها في زمن الربيع سمكة على طُول الإصبع، منها الذكور وإناث، لها علامات يعرف بها النوعان، فإذا كان وقت سِفادها أخذت ثم جُففت، فإذا احتاج إليها منْ يريد أن يجمع ما شاء سُحقت بالماء وشُرب منه فلا يصيبه عجز ولا فتور. طالعها القوس والمشتري.

لم يزال حكمها في الولايات حكم ما تقدمها من البلاد الجارية عند جند دمشق، إلى أن أخذها من نواب المستنصر تاج الدولة تتش صاحب دمشق، سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، فخرج إليها أمير الجيوش بدر المستنصري من مصر بعسكر فنازلها، وحاصرها حتى أخذها بالأمان، سنة اثنتين وسبعين، وأخرج منها نواب تاج الدّولة، وولّى فيها من قبله.

ولم تزل في أيدي المصريين إلى أن نزل فيها بغدوين ثالث شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسمائة فسأله أهلها أن يُمهلهم مدةً عّينوها، فأجابهم بعد أن قرر عليهم ستة آلاف دينار مقاطعة. ثم رحل إلى القدس وعاد فملكها بالأمان بعد قتال سبعة وأربعين يوما.

ولم تزل يد الفرنج إلى أن فتحها الملك الناصرُ صلاح الدين بالأمان بعد قتال شديد وحصار عتيد، في العشرين من جُمادى الأول سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.

وبقيت في يده إلى أن صارت في يد ولده الملك الأفضل لماّ ملك دمشق فصارت إليه في سنة لثنتين وتسعين، فأقطعها لولده الملك المعظم، فأنعم بها على أخيه الملك المغيث.

وبقيت في يده إلى أن استشعر الملك العادل من الفرنج نقض الهدنة التي كانت بينهم وبين الملك الناصر صلاح الدين لما غادروا على البلاد فبعث إليها من هدمها، وذلك في سنة ثلاث وتسعين..

<<  <   >  >>