للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السنّة النبويّة وحي من الله محفوظة كالقرآن الكريم

إعداد الدكتور أبولبابة الطاهر حسين

بسم الله الرحمن الرحيم

هل كلّ السنّة وحي؟

إلا أنّه قبل المضيّ قدما في دراسة الموضوع يعترضنا سؤال هامّ وهو: هل كلّ السنّة وحي؟

لقد ثبت بتتبّع سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم العطرة وسنّته المطهّرة أنّه قد اجتهد في مسائل ونوازل عديدة لم ينزل عليه فيها وحي، بمقتضى ما فطر عليه من سلامة العقل وسداد النظر سواء كان ذلك:

أ - باستخدام القياس: كقياسه صلى الله عليه وسلم ولادة الطفل الأسود من أبوين أبيضين على إنجاب الإبل الحمر الجمال الورق (١) بسبب الوراثة العرقيّة (٢) ، وكقياسه وفاء البنت بنذر أمّها الحجّ، فماتت قبل أن تفي بنذرها، على وجوب قضاء الوارث دين مورّثه (٣) .

ب - أو باستعمال الرأي: ابتداء مثل اجتهاده صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر حيث نزل موضعا رأى أحد صحابته وهو الحباب بن المنذر الخزرجيّ رضي الله عنه أنه غير ملائم عسكريّا، فسأله: "أمنزلا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدّمه ولا أن نتأخّر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ " فلمّا أعلمه عليه الصلاة والسلام أنّه مجرّد اجتهاد لا دخل للوحي فيه، عرض عليه تغيير


(١) البعير الأورق: هو البعير الأسود الذي يخالط سواده بياض كدخان الرمث [فقه اللغة وسرّ العربيّة، للثعالبيّ ١١٨ - مطبعة الاستقامة - القاهرة - بدون تاريخ] .
(٢) انظر حديث الأعرابيّ الذي أتى النبيّ فقال: "إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود وإنّي قد أنكرته. . صحيح البخاريّ - الاعتصام بالكتاب والسنّة - باب من شبّه أصلا معلوما بأصل مبيّن وقد بيّن النبيّ حكمهما ليفهم السائل الحديث ٧٣١٤ - فتح الباري ١٣/ ٣٠٩.
(٣) انظر حديث المرأة التي جاءت إلى النبيّ فقالت: "إنّ أمي نذرت أن تحجّ فماتت قبل أن تحجّ. . صحيح البخاريّ - الاعتصام - باب من شبّه أصلا معلوما. . . حديث ٧٣١٥ فتح الباري ١٣/ ٣٠٩.

<<  <   >  >>