للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تفسير الجهمية لجعل بمعنى خلق والرد عليهم]

...

فمما يسأل عنه يقال له: تجد في كتاب الله آية تخبر عن القرآن أنه مخلوق؟ فلا يجد.

فيقال له: فتجده في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن القرآن مخلوق. فلا يجد.

فيقال له: فمن أين قلت؟

فيقول من قول الله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] .

وزعم أن: جعل، بمعنى: خلق، فكل مجعول هو مخلوق، فادعى كلمة من الكلام المتشابه يحتج بها من أراد أن يلحد في تنزليه، ويبتغي


= قدر اتفقا فيه أصلا، لزم أن لا يكونا جميعًا موجودين، وهذا مما يعرف بالعقل.
ولهذا قال الإمام أحمد: "فقلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء" فبين أن هذا مما يعرف بالعقل، وهذا مما يعلم بصريح المعقولات.
ولهذا كان قول جهم المشهور عنه، الذي نقله عن عامة الناس أنه لا يسمى الله شيئًا؛ لأن ذلك -بزعمه- يقتضي التشبيه؛ لأن اسم الشيء إذا قيل على الخالق والمخلوق لزم اشتراكهما في مسمى الشيء، وهذا تشبيه بزعمه.
وقوله: باطل، فإنه سبحانه وإن كان لا يماثله شيء من الأشياء في شيء من الأشياء فمن المعلوم بالعقل أن كل شيئين فهما متفقان في مسمى الشيء، وكل موجودين فيها متفقان في مسمى الوجود، وكل ذاتين فهما متفقان في مسمى الذات، فإنك تقول: الشيء والموجود والذات ينقسم إلى: قديم ومحدث، وواجب وممكن، وخالق ومخلوق. ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام.
وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع، وبينا غلط من جعل اللفظ مشتركًا اشتراكًا لفظيًّا.
وهذا الذي نبَّه عليه الإمام أحمد من أن مسمى الشيء والوجود ونحو ذلك معنى عام كلي، تشترك فيه الأشياء كلها والموجودات كلها، هو المعلوم بصريح العقل، الذي عليه عامة العقلاء.

<<  <   >  >>