للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[اجتماع الشيئين في اسم واحد يجري عليه المدح أو الذم]

قال أحمد رضي الله عنه: اعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما فكان أحدهما أعلى من الآخر، ثم جرى عليهما اسم مدح، فكان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه، وإن جرى عليه اسم ذم فأدناهما أولى به، ومن ذلك قول الله تعالى في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: ٦٥]


= {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى: ٥٢] وقال: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: ١١٣] .
فأخبر أن الذكر المحدث هو ما يحدث من سامعين وممن علّمه وأنزل عليه إلا أن القرآن محدث عند الله، ولا أن الله كان ولا قرآن؛ لأن القرآن إنما هو من علم الله، فمن زعم أن القرآن هو بعد فقد زعم أن الله كان ولا علم ولا معرفة عنده بشيء مما في القرآن ولا اسم له ولا عزة له ولا صفة له حتى أحدث القرآن. ولا نقول: إنه فعل الله، ولا يقال: كان الله قبله، ولكن نقول: إن الله لم يزل عالِمًا، لا متى علم، ولا كيف علم، وإنما وهمت الجهمية الناس ولبست عليهم بأن يقول أليس الله الأول قبل كل شيء، وكان ولا شيء، وإنما المعنى في كان الله قبل كل شيء، قبل السموات وقبل الأرضين، وقبل كل شيء مخلوق، فأما أن نقول قبل علمه وقبل قدرته وقبل حكمته وقبل عظمته وقبل كبريائه وقبل جلاله وقبل نوره، فهذا كلام الزنادقة.
وقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فإنما هو ما يحدّث الله عند نبيه وعند أصحابه والمؤمنين من عباده، وما يحدثه عندهم من العلم وما لم يسمعوه، ولم يأتهم به كتاب قبله ولا جاءهم به رسول.
ألم تسمع إلى قوله عز وجل: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى: ٧] وإلى قوله فيما يحدث القرآن في قلوب المؤمنين إذا سمعوه: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٨٣] فأعلمنا أن القرآن يحدث نزوله لنا علمًا وذكرًا وخوفًا، فعلم نزوله محدث عندنا، وغير محدث عند ربنا عز وجل.

<<  <   >  >>