للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شك الزنادقة في قوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ}

...

قال أحمد في قوله عز وجل:

{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: ٥٦] .

قالت الزنادقة: فما بال جلودهم التي عصت قد احترقت، وأبدلهم جلودًا غيرها؟

فلا نرى إلا أن الله يعذب جلودًا لم تذنب حين يقول: بدلناهم جلودًا غيرها١.

فشكوا في القرآن، وزعموا أنه متناقض.

فقلت: إن قول الله تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} ليس يعني جلودًا غير جلودهم، وإنما يعني: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} تبديلها: تجديدها؛ لأن جلودهم إذا نضجت، جددها الله، وذلك لأن القرآن فيه خاص وعام، ووجوه كثيرة وخواطر يعلمها العلماء٢.

وأما قوله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: ٣٥، ٣٦] .


= وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧] قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم".
أخرجه البخاري "رقم ٤٥٤٧" ومسلم "رقم ٢٦٦٥".
١ هذا من سوء ظنهم بالله وخبث طويتهم، فمن المعلوم ببداهة العقل والشرع أن الله لا يعذب جلودًا لم تذنب، ولكن الزنادقة تركوا المحكم واتَّبعوا المتشابه فوقعوا في الضلال البعيد عياذًا بالله من ذلك.
٢ انظر: تفسير الطبري "١٤٢/٥" وابن كثير "٥٤٦/١" والسيوطي "٥٦٨/٢، ٥٦٩" والشوكاني "٤٧٩/١".

<<  <   >  >>