للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مَنْ كَانَتْ قَنَاعَتُهُ سَمِينَةً طَابَتْ لَهُ كُلُّ مَرَقَةٍ.

وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدُّنْيَا دُوَلٌ فَمَا كَانَ مِنْهَا لَك أَتَاك عَلَى ضَعْفِك، وَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْك لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِك، وَمَنْ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ مِمَّا فَاتَ اسْتَرَاحَ بَدَنُهُ، وَمَنْ رَضِيَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَرَّتْ عَيْنُهُ» . وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ وَجَدْتُ شَيْئَيْنِ: شَيْئًا هُوَ لِي لَنْ أَعْجَلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَلَوْ طَلَبْتُهُ بِقُوَّةِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَشَيْئًا هُوَ لِغَيْرِي وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ أَنَلْهُ فِيمَا مَضَى وَلَا أَنَالُهُ فِيمَا بَقِيَ يَمْنَعُ الَّذِي لِي مِنْ غَيْرِي كَمَا يَمْنَعُ الَّذِي لِغَيْرِي مِنِّي، فَفِي أَيِّ هَذَيْنِ أُفْنِي عُمْرِي وَأُهْلِكُ نَفْسِي.

وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:

لَا تَأْخُذُونِي بِالزَّمَانِ وَلَيْسَ لِي ... تَبَعًا وَلَسْتُ عَلَى الزَّمَانِ كَفِيلَا

مَنْ كَانَ مَرْعَى عَزْمِهِ وَهُمُومِهِ ... رَوْضَ الْأَمَانِي لَمْ يَزَلْ مَهْزُولَا

لَوْ جَارَ سُلْطَانُ الْقُنُوعِ وَحُكْمِهِ ... فِي الْخَلْقِ مَا كَانَ الْقَلِيلُ قَلِيلَا

الرِّزْقُ لَا تَكْمَدْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ... يَأْتِي وَلَمْ تَبْعَثْ عَلَيْهِ رَسُولَا

وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِابْنِ الرُّومِيِّ:

جَرَى قَلَمُ الْقَضَاءِ بِمَا يَكُونُ ... فَسِيَّانِ التَّحَرُّكُ وَالسُّكُونُ

جُنُونٌ مِنْك أَنْ تَسْعَى لِرِزْقٍ ... وَيُرْزَقُ فِي غِشَاوَتِهِ الْجَنِينُ

وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَ مَسْئُولٍ، وَأَفْضَلَ مَأْمُولٍ، أَنْ يُحْسِنَ إلَيْنَا التَّوْفِيقَ فِيمَا مَنَحَ، وَيَصْرِفَ عَنَّا الرَّغْبَةَ فِيمَا مَنَعَ؛ اسْتِكْفَافًا لِتَبِعَاتِ الثَّرْوَةِ، وَمُوبِقَاتِ الشَّهْوَةِ. رَوَى شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَبِي الْجِذْعِ، عَنْ أَعْمَامِهِ وَأَجْدَادِهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ أُمَّتِي الَّذِينَ لَمْ يُعْطُوا حَتَّى يَبْطَرُوا، وَلَمْ يُقْتِرُوا حَتَّى يَسْأَلُوا» وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:

عِنْدِي مِنْ الْأَيَّامِ مَا لَوْ أَنَّهُ ... أَضْحَى بِشَارِبٍ مُرْقِدٍ مَا غَمَّضَا

لَا تَطْلُبَنَّ الرِّزْقَ بَعْدَ شِمَاسِهِ ... فَتَرُومَهُ شِبَعًا إذَا مَا غَيَّضَا

مَا عُوِّضَ الصَّبْرَ امْرُؤٌ إلَّا رَأَى ... مَا فَاتَهُ دُونَ الَّذِي قَدْ عُوِّضَا

<<  <   >  >>