للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إنْ صَلَحُوا أَجْدَى نَفْعًا وَأَخْلَصُ وُدًّا. وَقَالَ ابْنُ الْعَمِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:

دَاوِي جَوًى بِجَوًى وَلَيْسَ بِحَازِمٍ ... مَنْ يَسْتَكِفُّ النَّارَ بِالْحَلْفَاءِ

وَقَالَ الْمُؤَمَّلُ بْنُ أُمَيْلٍ:

لَا تَحْسَبُونِي غَنِيًّا عَنْ مَوَدَّتِكُمْ ... إنِّي إلَيْكُمْ وَإِنْ أَيَسَرْتُ مُفْتَقِرُ

وَمِنْهَا: أَنْ يُسَاعِدَ الْقَضَاءَ وَيَسْتَسْلِمَ لِلْمَقْدُورِ، وَلَا يَرَى أَنْ يُغَالِبَ قَضَاءَ اللَّهِ فَيَرْجِعُ مَغْلُوبًا، وَلَا أَنْ يُعَارِضَهُ فِي أَمْرِهِ فَيُرَدُّ مَحْرُومًا مَسْلُوبًا. وَقَدْ قَالَ أَزْدَشِيرُ بْنُ بَابَكَ: إذَا لَمْ يُسَاعِدْنَا الْقَضَاءُ سَاعَدْنَاهُ. وَقَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ:

قَدْرُ اللَّهِ كَائِنٌ ... حِينَ يَقْضِي وُرُودُهُ

قَدْ مَضَى فِيك عِلْمُهُ ... وَانْتَهَى مَا يُرِيدُهُ

فَأَرِدْ مَا يَكُونُ إنْ ... لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُهُ

فَإِنْ أَظْفَرَتْهُ السَّعَادَةُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَهَدَتْهُ الْمَرَاشِدُ إلَى اسْتِعْمَالِ الصَّوَابِ، سَلِمَ مِنْ سَقَامِهِ، وَخَلُصَ مِنْ غَرَامِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالنَّقْصِ فَضْلًا وَاعْتَاضَ مِنْ الذَّمِّ حَمْدًا. وَلَمَنْ اسْتَنْزَلَ نَفْسَهُ عَنْ مَذَمَّةٍ فَصَرَفَهَا عَنْ لَائِمَةٍ هُوَ أَظْهَرُ حَزْمًا وَأَقْوَى عَزْمًا مِمَّنْ كَفَتْهُ النَّفْسُ جِهَادَهَا، وَأَعْطَتْهُ قِيَادَهَا. وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: خِيَارُكُمْ كُلُّ مُفَتَّنٍ تَوَّابٍ.

وَإِنْ صَدَّتْهُ الشَّهْوَةُ عَنْ مَرَاشِدِهِ، وَأَضَلَّهُ الْحِرْمَانُ عَنْ مَقَاصِدِهِ، فَانْقَادَ لِلطَّبْعِ اللَّئِيمِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْخُلُقُ الذَّمِيمِ، حَتَّى ظَهَرَ حَسَدُهُ وَاشْتَدَّ كَمَدُهُ، فَقَدْ بَاءَ بِأَرْبَعِ مَذَامَّ:

إحْدَاهُنَّ: حَسَرَاتُ الْحَسَدِ وَسَقَامُ الْجَسَدِ، ثُمَّ لَا يَجِدُ لِحَسْرَتِهِ انْتِهَاءً، وَلَا يُؤَمِّلُ لِسَقَامِهِ شِفَاءً. وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ: الْحَسَدُ دَاءُ الْجَسَدِ.

وَالثَّانِيَةُ: انْخِفَاضُ الْمَنْزِلَةِ وَانْحِطَاطُ الْمَرْتَبَةِ لِانْحِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ، وَنُفُورِهِمْ مِنْهُ وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْحَسُودُ لَا يَسُودُ.

<<  <   >  >>