للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد أن ثبت بالخبر القرآني وجود نفر من المنافقين في المدينة، وبعد أن فضحهم الله وأخرج أضغانهم ونبأ رسوله أنهم يتآمرون على الجماعة الإسلامية ويسرون بالمودة إلى الكافرين ويقولون لهم {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (١) بعد ذلك كله لم يجابه رسول الله واحدا منهم بأنه منافق بل ظل يؤمهم مع المسلمين في الصلاة ويعاملهم كمسلمين وحتى لما افتضح كبيرهم عبد الله بن أبى بن سلول وخاض مع الخائضين في حديث لإفك وما تلاه. وهم بعض الصحابة بقتلة وتقدم ابنة معبرا عن ذلك بقوله:

ائذن لي يا رسول الله بقتله فإني أكره أن يقتله غيري فلا تطيب نفسي برؤيته فأقتله فأكون قد قتلت مؤمنا بكافر.

نقول حتى بعد ذلك كله أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمس أحدا هذا المنافق بسوء قائلا: لا تفعل فيقال أن محمداً يقتل أصحابه.

وسياق هذه القصة قاطع في أن الإسلام بالشهادتين يدخل العبد ساحة الجماعة الإسلامية أما نيته فمردها إلي الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم":بعثت هاديا لا منقبا عن قلوب الناس" وكما قال لخالد بن الوليد وقد قتل رجلا ينطق بالشهادتين معتذرا عن ذلك بأن نطقه كان خوفاً فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم:"فهلا شققت عن صدره".

وقد خلت سنوات السلف في الصدر الأول طوال خلافة الشيخين أبى بكر وعمر والمسلمون على هذا النهج لا يكفر أحدهم أخاه بمعصية يرتكبها أو بنية يستبطنها إلي أن لفتهم الفتنة الكبرى بدءا بمقتل عثمان رضي الله عنه ثم خروج معاوية علي الإمام على رضي الله عنة وسير الأحداث من بعد إلي التحكيم وما وقع فيه من خديعة لصالح معاوية فقد نتج عن ذلك رد فعل ملئ بالأسى لدى بعض أنصار أمير المؤمنين علي فابتدروا إلى تكفير معاوية والحكمين بما ارتكبوه من خديعة وافتراء ودعوا عليا رضي الله عنه إلى القول معهم بكفر خصومه


(١) سورة الحشر. آية:١١

<<  <   >  >>