للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويذهب الباحثون إلى أنه مع بلوغ العالم الإسلامي هذا الدرك من التدني في هذا القرن، فإنه قد بدأ يقظته في نهايته وبداية القرن التاسع عشر (١) .

وحسبنا أن نتأمل في واقع العالم الإسلامي اليوم لندرك كم كان حاله وبالا وداؤه عضالا، إذ ها هو وفد اكتمل على بدء يقظته قرنان من الزمان لم يزل بعد يعاني من أوضار علته حتى ليبدو كأنه ميؤوس البرء منها. وإنه لكذلك ما لم يدرك الأسباب الحقيقية لعلته دون أن تصرفه عنها الأعراض الظاهرة.

والإدراك الصحيح لأسباب العلة مرهون بالإدارك الصحيح لمقدمات العافية فبضدها تتميز الأشياء، ولقد انبعثت حركات إصلاحية متوالية تحاول تلمس السبل إلى إقالة العالم الإسلامي من عثراته ووضعه مرة أخرى على الطريق الصحيح، ولم تحقق أي من هذه الحركات أهدافها على الوجه المرجو على تفاوت بينها فيما حققته وما أخفقت فيه، وقد يكون لكل من هذه الحركات أسبابها الخاصة التي حدت من نجاحها أو حالت دونه، ولكن يبقى وراء هذه الأسباب الخاصة سبب عام أهم منها جميعاً: ذلكم هو افتقاد النظرة الشمولية لدى حركات الإصلاح.

ومكمن الداء في أزمة العالم الإسلامي أنه بلغ في تدنيه حد الاحتجاب الكامل عن حقائق الإسلام وكلياته الأساسية وبفعل هذه الغيبوبة انهمك الفكر الإسلامي في الجزيئات التي هي بطبيعتها أدعى إلى وقوع الخلاف في تقبلها كما أنها سرعان ما يدركها التغيير في حركتها، ومن هنا لم يعط الفكر التفاتا إلى الكليات التي عني القرآن الكريم بتقريرها وحشد الطاقات الذهنية والوجدانية لاستيعابها ودعوة العقل إلى الانطلاق منها غير مقيد إلا بها وغير محاسب إلا عليها.

لا يحتاج الفكر إلى أي عناء لإدراك كليات الإسلام التي عليها مدار أحكامه واعتدال ميزانه، إذ هي شاخصة ناطقة في آيات الكتاب الكريم حسب المفكر أن يتدبر قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِن ْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ


(١) د. محمد ضياء الدين الريس: تاريخ الشرق العربي والخلافة العثمانية ج١ ص:٩٨ وأيضا. لوثروب ستودارد. حاضر العالم الاسلامي ج١ ص٦٠.

<<  <   >  >>