للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في بيته أو في سوقه خمسا وعشرين ضعفا". ويحمل قوله: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". على نفي الكمال جمعا بينهما. قال والرواية الأولى اختيار أصحابنا وأن حضور المسجد لا يجب وهي عندي بعيدة جدا إن حملت على ظاهرها فإن الصلاة في المسجد من أكبر شعائر الدين وعلاماته وفي تركها بالكلية أو في المفاسد ومحو آثار الصلاة بحيث تفضي إلى فتور همم أكثر الخلق عن أصل فعلها, ولهذا قال عبد الله بن مسعود: لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم. قال: وإنما معنى هذه الرواية -والله اعلم- أن فعلها في البيت جائز لآحاد الناس إذا كانت تقام في المساجد فيكون فعلها في المسجد فرض كفاية على هذه الرواية, وعلى الأخرى فرض عين. قال: ويدل على ذلك جواز الجمع بين الصلاتين للأمطار, ولوكان الواجب فعل الجماعة فقط دون الفعل في المسجد لما جاز الجمع لذلك؛ لأن أكثر الناس قادرون على الجماعة في البيوت فإن الإنسان غالبا لا يخلو أن تكون عنده زوجة أو ولد أو غلام أو صديق أو نحوهم فيمكنه الصلاة جماعة فلا يجوز ترك الشرط وهو الوقت من أجل السنة, فلما جاز الجمع علم أن الجماعة في المساجد فرض إما على الكفاية وإما على الأعيان هذا كلامه.

ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة, فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر, وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار, ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أهل مكة موته خطبهم سهيل بن عمرو وكان عتاب بن أسيد عامله على مكة قد توارى خوفا من أهل مكة فأخرجه سهيل وثبت أهل مكة على الإسلام فخطبهم بعد ذلك عتاب وقال: يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحدا منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه. وشكر له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصنيع وزاده رفعة في أعينهم, فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر. والله أعلم بالصواب.

<<  <   >  >>