للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا حُجَّتُنَا فَهِيَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ: قَالَ لَهُ: «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلِاثْنَيْنِ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ثَالِثٌ فَإِنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَقَدْ قِيلَ: يَقِفَانِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَيَسَارِهِ؟ وَقَدْ قِيلَ: بَلْ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْأَرْبَعَةِ: أَنَّ الثَّلَاثَةَ يَقِفُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَوَجَدْنَا حُكْمَ الْأَرْبَعَةِ غَيْرَ حُكْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ نَعَمْ، هُوَ كَمَا تَقُولُونَ: فِي مَوَاضِعِ الْوُقُوفِ، إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبٌ لَهُمَا بِإِقْرَارِكُمْ، وَلَيْسَ فِي حُكْمِ اخْتِلَافِ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْجُمُعَةِ أَصْلًا؟ وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ.

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَعَنْ هَذَا الْحُكْمِ أَحَدٌ إلَّا مَنْ جَاءَ نَصٌّ جَلِيٌّ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْفَذَّ وَحْدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ ابْتَدَأَهَا إنْسَانٌ وَلَا أَحَدَ مَعَهُ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ أَوْ أَكْثَرُ، فَسَوَاءٌ أَتَوْهُ إثْرَ تَكْبِيرِهِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى -: يَجْعَلُهَا جُمُعَةً وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ صَلَاةَ جُمُعَةٍ، فَحَقُّهَا أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهَا رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ ظُهْرُ يَوْمِهِ.

فَإِنْ جَاءَهُ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ -: فَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَبْتَدِئُهَا صَلَاةَ جُمُعَةٍ، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِقَطْعِ صَلَاتِهِ الَّتِي قَدْ بَطَلَ حُكْمُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>