للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالُوا: لَا يَجْتَمِعُ حَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَذَبُوا وَأَفِكُوا بَلْ تَجْتَمِعُ حُقُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَالٍ وَاحِدٍ؛ وَلَوْ أَنَّهَا أَلْفُ حَقٍّ، وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ حَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ؛ وَهُمْ يُوجِبُونَ الْخُمْسَ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالزَّكَاةِ أَيْضًا؛ إمَّا عِنْدَ الْحَوْلِ، وَإِمَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ بَلَغَ حَوْلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَيُوجِبُونَ أَيْضًا الْخَرَاجَ فِي أَرْضِ الْمَعْدِنِ إنْ كَانَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ.

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَغْلِيبُهُمْ الْخَرَاجَ عَلَى الزَّكَاةِ فَأَسْقَطُوهَا بِهِ، ثُمَّ غَلَّبُوا زَكَاةَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمَاشِيَةِ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ، فَأَسْقَطُوهَا بِهَا؛ ثُمَّ غَلَّبُوا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَأَسْقَطُوهَا بِهَا؛ فَمَرَّةً رَأَوْا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَوْكَدَ مِنْ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَمَرَّةً رَأَوْا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَوْلَى مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ.

وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يَرَى أَنْ يُزَكَّى مَا زُرِعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةِ. وَذَكَرْنَا هَذَا لِئَلَّا يَدَّعُوا فِي ذَلِكَ إجْمَاعًا، فَهَذَا أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ. وَإِنَّ تَنَاقُضَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ لَظَاهِرٍ فِي إسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ عَنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ لِلزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِبْقَائِهِمْ إيَّاهَا مَعَ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا - تَنَاقَضَ الْحَنِيفِيُّونَ إذْ أَثْبَتُوا الْإِجَارَةَ وَالزَّكَاةَ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ.

وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَشُرَيْكٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. وَقَالَ سُفْيَانُ، وَأَحْمَدُ: إنْ فَضَلَ بَعْدَ الْخَرَاجِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ.

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَمْوِيهِهِمْ بِالثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ إذْ أَسْلَمَتْ دِهْقَانَةُ نَهَرَ الْمَلِكِ إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا أَوْ أَدَّتْ مَا عَلَى أَرْضِهَا فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا، وَإِلَّا فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ - وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>