للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ، وَلَا يَقِينَ فِي أَنَّ كُلَّ مَاءٍ فِيمَا ذَكَرْنَا تَنَجَّسَ، وَلَا فِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ مِنْ ذَلِكَ وَالشَّارِبَ تَوَضَّأَ بِنَجِسٍ أَوْ شَرِبَ نَجِسًا، ثُمَّ حَتَّى لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوا لَمَا وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْحَلَالُ أَوْ الْمَائِعُ لِذَلِكَ لِمُجَاوَرَةِ النَّجِسِ أَوْ الْحَرَامِ لَهُ، مَا لَمْ يَحْمِلْ صِفَاتِ الْحَرَامِ أَوْ النَّجِسِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ عَلِيٌّ: رَأَيْت بَعْضَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْفِقْهِ وَيَمِيلُ إلَى النَّظَرِ يَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِيهِ أَثَرٌ فَسَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، الْحُكْمُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ كُلِّهِ أَوْ شَرِبَهُ حَاشَا مِقْدَارَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَوُضُوءُهُ جَائِزٌ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَشُرْبُهُ حَلَالٌ، وَكَذَلِكَ غُسْلُهُ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً وَلَا أَنَّهُ شَرِبَ حَرَامًا، فَإِنْ اسْتَوْعَبَ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَلَا وُضُوءَ لَهُ وَلَا طُهْرَ وَهُوَ عَاصٍ فِي شُرْبِهِ؛ لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً وَشَرِبَ حَرَامًا قَالَ: وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْبَحْرِ فَمَا دُونَهُ وَلَا فَرْقَ، قَالَ: فَإِنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَاسْتَوْعَبَاهُ أَوْ اسْتَوْعَبُوهُ كُلَّهُ بِالْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الشُّرْبِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وُضُوءُهُ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ، وَكَذَلِكَ غُسْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ، إلَّا أَنَّ فِيهِمَا أَوْ فِيهِمْ مَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ وَلَا غُسْلَ، وَلَا أَعْرِفُ بِعَيْنِهِ، فَلَا أُلْزِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ إعَادَةَ وُضُوءٍ وَلَا إعَادَةَ صَلَاةٍ بِالظَّنِّ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ نَاظَرْت صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَلْزَمْتُهُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لَهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ، أَنْ يَكُونَ يَأْمُرُ جَمِيعَهُمْ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، بَلْ عَلَى أَصْلِنَا وَأَصْلِ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْحَدَثِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الطَّهَارَةِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ، وَأَرَيْته أَيْضًا بُطْلَانَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ اسْتِحَالَةِ الْأَحْكَامِ بِاسْتِحَالَةِ الْأَسْمَاءِ، وَإِنَّ اسْتِحَالَةَ الْأَسْمَاءِ بِاسْتِحَالَةِ الصِّفَاتِ الَّتِي مِنْهَا تَقُومُ الْحُدُودُ، وَقُلْت لَهُ: فَرِّقْ بَيْنَ مَا أَجَزْت مِنْ هَذَا وَبَيْنَ إنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ وَفِي الْآخَرِ عَصِيرُ بَعْضِ الشَّجَرِ، وَبَيْنَ بِضْعَتَيْ لَحْمٍ إحْدَاهُمَا مِنْ خِنْزِيرٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ كَبْشٍ، وَبَيْنَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُذَكَّاةٌ وَالْأُخْرَى عَقِيرَةُ سَبُعٍ مَيْتَةٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا.

قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا - إنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ - عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>