للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نُخَالِفَ شَيْئًا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَنْ نَصْرِفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ، وَهَذَا الْخَبَرُ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ نَوَى الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ لَقُلْنَا بِهِ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ، وَهَذَا مُبَاحٌ عِنْدَنَا لَا نَكْرَهُهُ، كَمَا فِي الْخَبَرِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ» لَمْ يَجُزْ أَنْ نَتْرُكَ هَذَا الْيَقِينَ لِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَلَوْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ نَهَارًا لَبَيَّنَهُ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ إذْ كَانَ فَرْضًا، وَالتَّسَمُّحُ فِي الدِّينِ لَا يَحِلُّ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِيءُ فَيَدْعُو بِالطَّعَامِ فَلَا يَجِدُهُ فَيَفْرِضُ الصَّوْمَ» .

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ قَانِعٍ - رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ - عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ الْبَلْخِيّ عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْبِحُ وَلَمْ يَجْمَعْ الصَّوْمَ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَصُومُ» قُلْنَا: لَيْثٌ ضَعِيفٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ: هَالِكٌ، وَمِنْ دُونِهِ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَاَللَّهِ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفُوا هَاهُنَا الْجُمْهُورَ بِلَا رِقْبَةٍ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ أَجَازَ أَنْ يُصْبِحَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا لِإِرَادَةِ الْفِطْرِ، ثُمَّ يَبْقَى كَذَلِكَ إلَى قَبْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَنْوِي الصِّيَامَ حِينَئِذٍ وَيُجْزِئُهُ، وَادَّعَوْا

<<  <  ج: ص:  >  >>