للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زَائِدٌ وَشَرْعٌ وَارِدٌ؛ وَكَانَتْ تَكُونُ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ مُوَافِقَةً لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ قَدْ كَانَا بِلَا شَكٍّ تَطَوُّعًا لَا فَرْضًا فَإِذَا أَمَرَ بِهِمَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ بَطَلَ كَوْنُهُمَا تَطَوُّعًا بِلَا شَكٍّ وَصَارَا فَرْضَيْنِ، فَمَنْ ادَّعَى بُطْلَانَ هَذَا الْحُكْمِ وَعَوْدَةَ الْمَنْسُوخِ فَقَدْ كَذَبَ وَأَفِكَ وَافْتَرَى؛ وَقَفَا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ؛ فَبَطَلَ كُلُّ خَبَرٍ مَكْذُوبٍ مَوَّهُوا بِهِ لَوْ صَحَّ فَكَيْف وَكُلُّهَا بَاطِلٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ إخْبَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدُخُولِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ، وَبِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَهَذَيَانٌ لَا يُعْقَلُ؛ بَلْ هَذَا بُرْهَانٌ وَاضِحٌ فِي كَوْنِ الْعُمْرَةِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ بِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ؛ وَلَا يَشُكُّ ذُو عَقْلٍ فِي أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ حَجَّةً؛ فَوَجَبَ أَنَّ دُخُولَهَا فِي الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ فَقَطْ -: أَحَدُهُمَا:

أَنَّهُ يُجْزَى لَهُمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ فِي الْقِرَانِ.

وَالثَّانِي: دُخُولُهَا فِي أَنَّهَا فَرْضٌ كَالْحَجِّ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ أَنَّهَا الْحَجُّ الْأَصْغَرُ؟ قُلْنَا لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ [قَدْ] جَاءَ بِإِيجَابِ الْحَجِّ فَكَانَتْ حِينَئِذٍ تَكُونُ فَرْضًا بِنَصِّ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] لَكِنَّا لَا نَسْتَحِلُّ التَّمْوِيهَ بِمَا لَا يَصِحُّ، مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرُوا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَقَدْ قَالَ فِيهِ عُقَيْلٌ: سِنَانٌ هُوَ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ كَذَبُوا فِيهِ وَحَرَّفُوهُ وَأَوْهَمُوا أَنَّ فِيهِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ» لَيْسَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ: إمَّا مَعَ الْحَجِّ مَقْرُونَةٌ، وَإِمَّا مَعَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ؛ فَصَارَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>