للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا فَإِنَّمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ذِكْرُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَقَطْ، فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لَمَا كَانَ فِيهِ نَسْخُ تَحْرِيمِ اسْتِدْبَارِهَا، وَلَكَانَ مَنْ أَقْحَمَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةَ اسْتِدْبَارِهَا كَاذِبًا مُبْطِلًا لِشَرِيعَةٍ ثَابِتَةٍ، وَهَذَا حَرَامٌ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ - وَهُوَ ثِقَةٌ - عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَرَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، وَهَذَا أَبْطَلُ وَأَبْطَلُ؛ لِأَنَّ خَالِدًا الْحَذَّاءَ لَمْ يُدْرِكْ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ نَصَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَاهُمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فِي ذَلِكَ، هَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَقْلٍ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا إبَاحَةُ الِاسْتِقْبَالِ فَقَطْ، لَا إبَاحَةُ الِاسْتِدْبَارِ أَصْلًا، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ جُمْلَةً.

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ رِوَايَةُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُ الْقِبْلَةَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بَعْدَ نَهْيِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَالَ جَابِرٌ، ثُمَّ رَأَيْته، وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا النَّسْخُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَقَطْ، وَأَمَّا الِاسْتِدْبَارُ فَلَا أَصْلًا، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَاذِبًا، وَلَيْسَ إذَا نَهَى عَنْ شَيْئَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ نَسْخُ الْآخَرِ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَسَقَطَ قَوْلُهُمْ لِتَعَرِّيه عَنْ الْبُرْهَانِ.

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ فَقَوْلٌ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَصْلًا، إذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ فَرْقٌ بَيْنَ صَحْرَاءَ وَبُنْيَانٍ، فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ ظَنٌّ، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا يُغْنِي عَنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ، وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ بَلْ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ خَاصَّةً، وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ خَاصَّةً، وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ لَا وَجْهَ لَهُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا كَانَ فِي الصَّحَارِي، لِأَنَّ هُنَالِكَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فَيُؤْذَوْنَ بِذَلِكَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْغَائِطِ كَيْفَمَا وَقَعَ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَوْضِعُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>