للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ لِبَاسِ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ، وَبَيْنَ لِبَاسِهِمَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُونَ إنْ لَبِسَهُمَا يَوْمًا غَيْرَ طَرْفَةِ عَيْنٍ، أَوْ غَيْرَ نِصْفِ سَاعَةٍ؟ وَهَكَذَا نَزِيدُهُمْ دَقِيقَةً دَقِيقَةً حَتَّى يَلُوحَ هَذَيَانُهُمْ، وَقَوْلُهُمْ بِالْأَضَالِيلِ فِي الدِّينِ، وَكَذَلِكَ إيجَابُهُ الدَّمَ فِي ذَلِكَ، أَوْ الصَّدَقَةَ، لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى جَاءَتْ بِتَخْيِيرٍ بَيْنَ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ، وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ هَاهُنَا الدَّمَ وَلَا بُدَّ؛ أَوْ صَدَقَةً غَيْرَ مَحْدُودَةٍ وَلَا بُدَّ؛ وَلَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا بِالْقِيَاسِ، فَكَمْ هَذَا التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمُهُ بَيْنَ حُكْمِ السَّرَاوِيلِ وَبَيْنَ حُكْمِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ، خَطَأٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا الْمَلَامَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ وَخَالَفَهُ لِتَقْلِيدِ رَأْيِ مَالِكٍ.

وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ بِعَقْلِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَوْجَبَ فِدْيَةً حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمِسْوَرِ، وَلَا نَعْلَمُ لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَوْلًا غَيْرَ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَخَالَفَهَا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ كُلُّهَا آرَاءٌ فَاسِدَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إبَاحَةَ الْقُفَّازَيْنِ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَغَيْرِهِمْ؛ وَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى مَا سِوَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>