للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازُ تَقْدِيمِ الطَّوَافِ، وَالذَّبْحِ، وَالرَّمْيِ، وَالْحَلْقِ، بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.

فَصَحَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ قَدْ بَطَلَ بِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَالْحَلْقِ، وَالنَّحْرِ، رَمَى أَوْ لَمْ يَرْمِ، حَلَقَ أَوْ لَمْ يَحْلِقْ، نَحَرَ أَوْ لَمْ يَنْحَرْ، طَافَ أَوْ لَمْ يَطُفْ؛ وَإِذَا حَلَّ لَهُ الْحَلْقُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا فِي الْإِحْرَامِ؛ فَبِلَا شَكٍّ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ الْإِحْرَامُ، وَبَطَلَ حُكْمُهُ؛ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّ، فَحَلَّ لَهُ الصَّيْدُ الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ إلَّا بِالْإِحْرَامِ، وَحَلَّ لَهُ بِالْإِحْلَالِ، وَكَذَلِكَ الزَّوَاجُ وَالتَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ بِأَنْ لَا يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحَ، وَلَا يَخْطُبَ، فَصَحَّ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَمَنْ حَلَّ لَهُ لِبَاسُ الْقُمُصِ، وَالْبَرَانِسِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهُوَ حَلَالٌ لَا مُحَرَّمٌ فَالنِّكَاحُ، وَالْإِنْكَاحُ، وَالْخُطْبَةُ حَلَالٌ لَهُ؛ إذْ لَيْسَ مُحَرَّمًا، وَأَمَّا الْجِمَاعُ فَبِخِلَافِ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] فَحُرِّمَ الرَّفَثُ، وَهُوَ الْجِمَاعُ فِي الْحَجِّ جُمْلَةً لَا عَلَى الْمُحْرِمِ خَاصَّةً، وَمَا دَامَ يَبْقَى مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ شَيْءٌ فَهُوَ بَعْدُ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَالْوَطْءُ حَرَامٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْحَجِّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَالِكٌ يَرَى فِي الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُحْرِمِ الْفِدْيَةُ، كَمَا يَرَى الْجَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الصَّيْدِ - ثُمَّ رَأَى هَاهُنَا الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ وَلَمْ يَرَ الْفِدْيَةَ فِي التَّطَيُّبِ، وَهَذَا عَجَبٌ فَإِنْ احْتَجُّوا لَهُ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي طِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَا يَخْلُو هَذَا الْأَثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَفَرْضٌ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُخَالِفُوهُ، وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ، أَوْ يَكُونَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَا تُرَاعُوهُ، وَأَوْجَبُوا الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ تَطَيَّبَ كَمَا أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ، وَلَا فَرْقَ.

ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ إيجَابِكُمْ الْجَزَاءَ عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ فِي الْحِلِّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَحَرَمٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ حَرَمٍ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ.

فَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ حَرَمٌ؟ قُلْنَا لَكُمْ: فَحَرِّمُوا عَلَيْهِ اللِّبَاسَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ وَحَرِّمُوا عَلَيْهِ حَلْقَ رَأْسِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>