للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَعَنَهُ، لِيَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَ قَاتِلِهِ مُخْطِئٌ مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَافْتِرَاؤُهُ عَلَى خَالِقِهِ لِإِخْبَارِهِ عَنْهُ بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ.

فَإِنْ قَالَ: قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ قَاتِلِ الْعَمْدِ وَقَاتِلِ الْخَطَأِ.

قُلْنَا: وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ كُلِّ مُخْطِئٍ وَكُلِّ عَامِدٍ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] .

قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ تَمْوِيهًا غَيْرَ هَذَا وَهُوَ كُلُّهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ ذَلِكَ الصَّيْدَ حَرَامٌ أَكْلُهُ؛ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ قَتْلًا وَنَهَى عَنْهُ وَلَمْ يُبِحْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا بِالذَّكَاةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ ذِي حَسَنٍ سَلِيمٍ أَنَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الذَّكَاةِ هُوَ غَيْرُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْقَتْلِ؛ فَإِذْ هُوَ غَيْرُهُ فَالْقَتْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَيْسَ ذَكَاةً؛ وَإِذْ لَيْسَ هُوَ ذَكَاةٌ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ الْحَيَوَانِ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا خَصَّصْتُمْ الْعَامِدَ بِذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَصُّ الْآيَةِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، وَسَمَّى إتْلَافَ الصَّيْدِ فِي حَالِ الْحَرَمِ قَتْلًا وَحَرَّمَهُ.

ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] فَأَوْجَبَ حُكْمَ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَامِدِ خَاصَّةً بِخِلَافِ النَّهْيِ الْعَامِّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ.

وَأَمَّا بُطْلَانُ إحْرَامِهِ بِذَلِكَ -: فَلِأَنَّهُ بِلَا خِلَافٍ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعَاصِي كُلُّهَا فُسُوقٌ؛ وَالْإِحْرَامُ يَبْطُلُ بِالْفُسُوقِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ.

وَمِنْ شَنَعِ الْأَقْوَالِ وَفَاسِدِهَا إبْطَالُ الْمَالِكِيِّينَ الْحَجَّ بِالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَمْنَعْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثُمَّ لَمْ يُبْطِلُوهُ بِالْفُسُوقِ الْكَبِيرِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى أَشَدَّ الْوَعِيدِ فِيهِ وَهُوَ قَتْلُ الصَّيْدِ عَمْدًا.

وَأَبْطَلُوا هُمْ، وَالْحَنَفِيُّونَ الْإِحْرَامَ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا وَلَمْ يُبْطِلْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ الْمُحْرِمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>