للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةً؛ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ ابْتَاعَ بِهِ طَعَامًا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَخَالَفَهُمَا أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فَرَأَيَا الْجَزَاءَ بِالْمِثْلِ كَمَا قَالَ سَائِرُ النَّاسِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَمُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى: فَجَزَاءُ قِيمَةِ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ، وَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا وَلَا تَحْتَمِلُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.

وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الضَّبُعِ: كَبْشٌ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا قِيمَةً، وَقَدْ وَجَدْنَا قِيمَةَ الْحَمَامَةِ الْهَادِيَةِ، وَالْمُقِلِّينَ الْمُغَرِّدِ يَبْلُغُ عَشْرَاتِ الدَّنَانِيرِ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ جَزَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْهَدْيِ أَكْثَرَ مِنْ جَزَاءِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ - وَالنَّعَامَةِ مِنْ الْهَدْيِ، فَهَذَا مَعَ خِلَافِ الْقُرْآنِ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ.

ثُمَّ سَائِرُ تَقْسِيمِهِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ، وَقَدْ وَقَفَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَابَ قَدْ رُوِيَتْ فِيهِ آثَارٌ مُؤَقَّتَةٌ؛ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّمَا نَتْبَعُ لِلْقُرْآنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَاَللَّهِ مَا وُفِّقَ فِي هَذَا لِاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ، وَلَا لِاتِّبَاعِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَقَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إطْلَاقٌ فَاسِدٌ إنَّمَا جَاءَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ: أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ فَقَطْ وَجَاءَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ.

وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ إلَّا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَقَطْ مِمَّا قَدْ خَالَفُوهُ كُلَّهُ - وَلَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْقِيمَةُ أَعْدَلُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبَ الْآفِكُ الْآثِمُ - وَلَا كَرَامَةَ - أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَعْدَلَ مِنْ الْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، بَلْ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ؛ وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلٌ بَنُوهُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لَهُمْ فَاسِدٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا أَتْلَفَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ مِمَّا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ - وَهَذَا رَدٌّ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، وَمَا الْوَاجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا الْمِثْلُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>