للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَلَاتِهِ، وَلَا يُجْزِيه الْوُضُوءُ إلَّا فِي أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَا بُدَّ لِلْمُسْتَنْكِحِ أَيْضًا أَنْ يَغْسِلَ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ حَسْبَ طَاقَتِهِ، مِمَّا لَا حَرَج عَلَيْهِ فِيهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ عَلَيْهِ الْحَرَجُ مِنْهُ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ إبْطَالِ الْقِيَاسِ مِنْ صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وقَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] فَصَحَّ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ مِنْ الْحَدَثِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَدَثٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَطِيعُ، وَمَا لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا عُسْرَ، وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَعَلَى الْوُضُوءِ لَهَا، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِلِامْتِنَاعِ مِمَّا يَخْرُجُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيمَا بَيْنَ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ، فَسَقَطَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي غَسْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الظَّاهِرِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَوَضَّأُ هَؤُلَاءِ لِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، وَيُبْقُونَ عَلَى وُضُوئِهِمْ إلَى دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ آخَرَ فَيَتَوَضَّئُونَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ فَيُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ خَاصَّةً.

قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا قَالُوا كُلَّ هَذَا قِيَاسًا عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ، عَلَى حَسْبِ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهَا، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ هُوَ غَيْرُ مَا قَالُوهُ لَكِنَّ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ، أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ. ثُمَّ لِلصُّبْحِ. وَدُخُولُ وَقْتِ صَلَاةٍ مَا لَيْسَ حَدَثًا بِلَا شَكٍّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فَلَا يَنْقُضُ طَهَارَةً قَدْ صَحَّتْ بِلَا نَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ، وَإِسْقَاطُ مَالِكٍ الْوُضُوءَ مِمَّا قَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالنُّصُوصِ الثَّابِتَةِ خَطَأٌ لَا يَحِلُّ. وَقَدْ شَغَبَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِمَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمَذْيِ. قَالَ عُمَرُ: إنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ عَلَى فَخِذِي عَلَى الْمِنْبَرِ فَمَا أُبَالِيه وَقَالَ سَعِيدٌ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الصَّلَاةِ: فَأَوْهَمُوا أَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا مُسْتَنْكِحَيْنِ بِذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>