للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَاجِبِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ - قَوْله تَعَالَى - فِيهَا: {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥] بَيَانُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَحْبَطْ مَا عَمِلَ قَبْلُ فِي إسْلَامِهِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مَكْتُوبٌ لَهُ وَمُجَازًى عَلَيْهِ بِالْجَنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - لَا هُمْ وَلَا نَحْنُ - فِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا رَاجَعَ الْإِسْلَامَ لَيْسَ مِنْ الْخَاسِرِينَ، بَلْ مِنْ الْمُرْبِحِينَ الْمُفْلِحِينَ الْفَائِزِينَ.

فَصَحَّ أَنَّ الَّذِي يَحْبَطُ عَمَلُهُ هُوَ الْمَيِّتُ عَلَى كُفْرِهِ مُرْتَدًّا أَوْ غَيْرَ مُرْتَدٍّ، وَهَذَا هُوَ مِنْ الْخَاسِرِينَ بِلَا شَكٍّ، لَا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كُفْرِهِ أَوْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ رِدَّتِهِ، وَقَالَ - تَعَالَى - {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: ٢١٧] فَصَحَّ نَصُّ قَوْلِنَا: مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْبَطُ عَمَلُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَّا بِأَنْ يَمُوتَ وَهُوَ كَافِرٌ.

وَوَجَدْنَا اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: ١٩٥] .

وَقَالَ - تَعَالَى - {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] .

وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ.

فَصَحَّ أَنَّ حَجَّهُ وَعُمْرَتَهُ إذَا رَاجَعَ الْإِسْلَامَ سَيَرَاهُمَا وَلَا يَضِيعَانِ لَهُ.

وَرُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ كَالشَّمْسِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَيُونُسَ، وَمَعْمَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ.

وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْمَعْنَى، ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ، وَهِشَامٌ كِلَاهُمَا عَنْ عُرْوَةَ وَاللَّفْظُ لِلزُّهْرِيِّ، قَالَ: نَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ عَتَاقَةٍ، أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ، وَالْكَافِرُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ قَطُّ، إذَا أَسْلَمَا فَقَدْ أَسْلَمَا عَلَى مَا أَسَلَفَا مِنْ الْخَيْرِ، وَقَدْ كَانَ الْمُرْتَدُّ إذَا حَجَّ وَهُوَ مُسْلِمٌ قَدْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ، وَمَا كُلِّفَ كَمَا أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَسْلَمَ الْآنَ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَهُ كَمَا كَانَ.

وَأَمَّا الْكَافِرُ يَحُجُّ كَالصَّابِئِينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْحَجَّ إلَى مَكَّةَ فِي دِينِهِمْ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>