للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ". وَاللُّقَطَةُ هِيَ غَيْرُ مَالِ الْمُلْتَقِطِ فَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ.

وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِيُوجَدَ مَنْ يَعْرِفُهَا أَوْ صَاحِبُهَا فَهَذَا الْحُكْمُ لَازِمٌ، فَإِذَا يَئِسَ بِيَقِينٍ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا سَقَطَ التَّعْرِيفُ، إذْ مِنْ الْبَاطِلِ تَعْرِيفُ مَا يُوقَنُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ، وَإِذَا سَقَطَ التَّعْرِيفُ حَلَّتْ حِينَئِذٍ بِالنَّصِّ لِمُنْشِدِهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ - عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ»

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَاجُّ هُوَ مَنْ هُوَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ، وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ فَهُوَ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ وَلَيْسَ حَاجًّا بَعْدُ، وَأَمَّا بَعْدَ إتْمَامِهِ عَمَلَ الْحَجِّ فَقَدْ حَجّ وَلَيْسَ حَاجًّا الْآنَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَاجًّا مَجَازًا، كَمَا أَنَّ الصَّائِمَ، أَوْ الْمُصَلِّيَ، أَوْ الْمُجَاهِدَ، إنَّمَا هُوَ صَائِمٌ، وَمُصَلٍّ، وَمُجَاهِدٍ، مَا دَامَ فِي عَمَلِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ.

وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ لُقَطَةٍ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَخْذِهَا، أَوْ نَهَى عَنْ تَمَلُّكِهَا، فَأَمَّا أَخْذُهَا فَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَتَرْكُهَا إضَاعَةٌ لَهَا بِلَا شَكٍّ، وَحِفْظُهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَمَلُّكِهَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَنْهَ عَنْ حِفْظِهَا وَلَا عَنْ تَعْرِيفِهَا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا بِعَيْنِهَا، هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ.

فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ تَمَلُّكِهَا فَإِذَا يَئِسَ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا بِيَقِينٍ فَكُلُّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لِلَّهِ - تَعَالَى -، ثُمَّ فِي مَصَالِحِ عِبَادِهِ، وَالْمُلْتَقِطُ أَحَدُهُمْ وَهِيَ فِي يَدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَلَا يَتَعَدَّى بِهِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَحُكْمُ الْمُعْتَمِرِ كَحُكْمِ الْحَاجِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>