للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا أَمْرُ سَلْمَانَ فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ مَمْلُوكًا لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هُمْ فِي حُصُونِهِمْ مَالِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ إسْلَامُ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَا خِلَافٍ قَبْلَ الْخَنْدَقِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ، وَهَلَاكُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَتْلُهُمْ، وَحِصَارُهُمْ، بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ.

وَمِنْ الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ لَهُ بَطَلَ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ أَنَّهُ كَانَ مُكَاتَبًا لَهُ بِلَا شَكٍّ وَمَا انْتَمَى قَطُّ إلَى وَلَاءِ ذَلِكَ لْقُرَظِيِّ بَلْ انْتَمَى مَوْلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤَالَفِ، وَالْمُخَالِفِ، وَالصَّالِحِ وَالطَّالِحِ؛ فَلَوْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ صَحِيحًا وَكِتَابَتُهُ لَهُ صَحِيحَةً بِحَقِّ الْمِلْكِ لَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ لَمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَفِي عَنْ وَلَائِهِ - وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَكِفَايَةٌ، وَكَيْف وَلَوْ لَمْ يَقُمْ هَذَا الْبُرْهَانُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؟ لِأَنَّهُمْ لَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمَرَهُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ - ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْهُمْ أَنَّ عَبْدَ الذِّمِّيِّ سَاعَةَ يُسْلِمْ فَهُوَ حُرٌّ.

وَقَالَ أَشْهَبُ: سَاعَةَ يُسْلِمُ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فَهُوَ حُرٌّ، خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ فَهِيَ حُرَّةٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ، أَوْ لِمُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ بَيْعِهِ أَوْ هِبَتِهِ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ.

قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا حَمَلَهُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَسَاعَةَ دُخُولِهِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ - فَهَلْ سُمِعَ بِأَوْحَشَ أَوْ أَفْحَشَ مِنْ هَذَا التَّخْلِيطِ؟ وَهِيَ أَقْوَالٌ لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ.

وَأَمَّا مَالِكٌ: فَإِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ بِإِسْلَامِهَا، وَهِيَ أَمَةٌ لَهُ فَقَدْ نَاقَضَ، إذْ لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ بِإِسْلَامِهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: لَا يَسْتَرِقُّ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ - وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ اسْتِرْقَاقَهُ إيَّاهُ جُمْلَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>