للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَقْبِضَ بِيَدِهِ عَلَى فَرْجِهَا كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُبَاشِرَهَا بِجَسَدِهِ دُونَ حَائِلٍ وَيَنْعَظُ فَهَذَا وَحْدَهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا وُضُوءَ مِنْ مُلَامَسَةِ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ، وَلَا الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ، إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، تَحْتَ الثِّيَابِ أَوْ فَوْقَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْمُلَامَسَةُ لِلَّذَّةِ فَعَلَى الْمُلْتَذِّ مِنْهُمَا الْوُضُوءُ سَوَاءٌ كَانَ فَوْقَ الثِّيَابِ أَوْ تَحْتَهَا، أَنْعَظَ أَوْ لَمْ يُنْعِظْ، وَالْقُبْلَةُ كَالْمُلَامَسَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَقَوْلِنَا، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مَسَّ شَعْرِ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّعَلُّقُ بِالتَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ: إنَّ الْمُلَامَسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا هُوَ الْجِمَاعُ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا إنْعَاظٌ، وَأَمَّا مُنَاقَضَتُهُ فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْقُبْلَةِ يَكُونُ مَعَهَا إنْعَاظٌ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَبَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ يَكُونُ مَعَهَا إنْعَاظٌ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا فَرْقٌ لَمْ يُؤَيِّدْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ، وَمِنْ مُنَاقَضَاتِهِ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ الْقُبْلَةَ لِشَهْوَةٍ وَاللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ الشَّهْوَةِ، وَاللَّمْسِ لِغَيْرِ الشَّهْوَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْقُبْلَةَ لِشَهْوَةٍ وَاللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ رَجْعَةٌ فِي الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَاللَّمْسِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ، وَلَا التَّعَلُّقَ بِالسُّنَّةِ وَلَا طَرْدَ قِيَاسٍ وَلَا سَدَادَ رَأْيٍ وَلَا تَقْلِيدَ صَاحِبٍ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ، فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا ضَبْطِ قِيَاسٍ وَلَا احْتِيَاطٍ، وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ، فَقَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ أَيْضًا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ، بَلْ هُوَ خِلَافُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ كَمَا أَوْرَدْنَاهَا لَمْ نَعْرِفْ أَنَّهُ قَالَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ: إذَا قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَعَنْ حَمَّادٍ: أَيُّ الزَّوْجَيْنِ قَبَّلَ صَاحِبَهُ وَالْآخَرُ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، فَلَا وُضُوءَ عَلَى الَّذِي لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَجِدَ لَذَّةً، وَعَلَى الْقَاصِدِ لِذَلِكَ الْوُضُوءُ. قُلْنَا: قَدْ صَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادٍ إيجَابُ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ عَلَى الْقَاصِدِ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>