للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الْأَضْحَى إلَى هِلَالِ الْمُحَرَّمِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِيَ بِذَلِكَ» وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ وَأَصَحِّهَا فَيَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا.

قَالَ عَلِيٌّ: وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: أَنْ يُضَحَّى بِاللَّيْلِ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى لَيْلًا - وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّهُمْ قَالَ قَائِلُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: ٢٨] قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّيْلَ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِنْهُمْ إيهَامٌ يُمَقِّتُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَبْحًا، وَلَا تَضْحِيَةً، وَلَا نَحْرًا لَا فِي نَهَارٍ، وَلَا فِي لَيْلٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ أَفَتَرَى يَحْرُمُ ذِكْرُهُ فِي لَيَالِيِهِنَّ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا النَّصُّ بِمَانِعٍ مِنْ ذِكْرِهِ تَعَالَى وَحَمْدِهِ عَلَى مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي الْعَامِ كُلِّهِ.

وَهَذَا مِمَّا حَرَّفُوا فِيهِ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ زَيْدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَعَ النَّهَارِ.

وَذَكَرُوا حَدِيثًا لَا يَصِحُّ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُبَشَّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الذَّبْحِ بِاللَّيْلِ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ فَضِيحَةُ الْأَبَدِ، وَبَقِيَّةُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَمُبَشَّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَذْكُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ عَمْدًا، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ الذَّبْحَ بِاللَّيْلِ فَيُخَالِفُونَهُ فِيمَا فِيهِ وَيَحْتَجُّونَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا.

وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ فِيهَا وَكَانَ يَوْمُهُ تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ فِيهِ كَانَتْ لَيَالِي سَائِرِ أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ كَذَلِكَ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ هُوَ مَبْدَأُ دُخُولِ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ وَمَا قَبْلَهُ لَيْسَ وَقْتًا لِلتَّضْحِيَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا فِي أَنَّ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ ابْيِضَاضِهَا وَارْتِفَاعِهَا وَقْتٌ وَاسِعٌ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لَا تَجُوزُ فِيهِ التَّضْحِيَةُ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا بَعْدَهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>