للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا حُرِّمَ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا بِهِ، وَذَبْحُ الْمُعْتَدِي بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا خِلَافٍ وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْفُرُوجَ الْمُحَرَّمَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالْعَقْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِالْعَقْدِ الْمُحَرَّمِ: فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا الْحَيَوَانَ الْمُحَرَّمَ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَصَيُّدِ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ ذَبْحِ الْمُتَعَدِّي لِمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ؟ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ الثَّابِتَةُ -:

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِع بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَجَّلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ» .

فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ بِهَرْقِ الْقُدُورِ الَّتِي فِيهَا اللَّحْمُ الْمَذْبُوحُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَلَالًا أَكْلُهُ مَا أَمَرَ بِهَرْقِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ، وَأَنَّ ذَبْحَهُ وَنَحْرَهُ تَعَدٍّ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَا يُبِيحُ الْأَكْلَ.

وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةً أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ مَوَّهَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ، فَاسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فَأَكَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ: أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا، فَأَرْسَلَتْ الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْسَلْتُ إلَى الْبَقِيعِ مَنْ يَشْتَرِي لِي شَاةً فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إلَى جَارٍ لِي قَدْ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إلَى امْرَأَتِهِ، فَأَرْسَلَتْ إلَيَّ بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعِمِيهِ الْأُسَارَى» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>