للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَسْقَطَ تَعَالَى تَحْرِيمَ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ» فَهُوَ إذَا وَجَدَ مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَقَدْ وَجَدَ مَالًا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِطْعَامِهِ مِنْهُ، فَحَقُّهُ فِيهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنْ مُنِعَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَهُوَ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ. وَخَصَّصَ قَوْمٌ الْخَمْرَ بِالْمَنْعِ - وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِلَا بُرْهَانٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ وَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنَّهَا لَا تُرْوَى - وَهَذَا خَطَأٌ مُدْرَكٌ بِالْعِيَانِ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُدْمِنِينَ عَلَيْهَا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْخِلَاعِ لَا يَشْرَبُونَ الْمَاءَ أَصْلًا مَعَ شُرْبِهِمْ الْخَمْرَ. وَقَدْ اضْطَرَبُوا -: فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: الِاسْتِغَاثَةَ بِالْخَمْرِ لِمَنْ اخْتَنَقَ بِلُقْمَةٍ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِغَاثَةِ إلَيْهَا فِي ضَرُورَةِ الِاخْتِنَاقِ أَوْ فِي ضَرُورَةِ الْعَطَشِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ آمِرُونَ لَهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ فَمَاتَ فَهُوَ قَاتِلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ. وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ لُحُومِ بَنِي آدَمَ فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ الْأَمْرِ بِمُوَارَاتِهَا، فَلَا يَحِلُّ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَا يُقْتَلُ فَإِنَّمَا أُبِيحَتْ الْمُحَرَّمَاتُ خَوْفَ الْمَوْتِ أَوْ الضَّرَرِ فَاسْتِعْجَالُ الْمَوْتِ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] وَبِهَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا حَلَّتْ الْمُحَرَّمَاتُ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهَا قَاتِلَ نَفْسِهِ فَيَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ وَيَكُونُ قَاتِلَ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ وَهَذَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ. وَأَمَّا تَحْدِيدُنَا ذَلِكَ بِبَقَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِلَا أَكْلٍ فَلِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوِصَالَ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ خَافَ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ الضَّعْفَ فَلِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا فَضْلَ لِبَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>