للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَبِيثٌ، فَهُمَا مُحَرَّمَانِ - وَهَذَا مِنْ الْبَرَاهِينِ أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ جُمْلَةً وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ - وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الْمُسُوخِ فِي غَيْرِ الْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ: فَبَاطِلٌ وَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ أَكْلُ الطِّينِ لِمَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ]

١٠٣١ - مَسْأَلَةٌ: وَأَكْلُ الطِّينِ لِمَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ حَلَالٌ، وَأَمَّا أَكْلُ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ مِنْ طِينٍ أَوْ إكْثَارٍ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْخُبْزِ -: فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ لَنَا فَهُوَ حَلَالٌ، وَأَمَّا كُلُّ مَا أَضَرَّ فَهُوَ حَرَامٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَهُشَيْمٍ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، كُلُّهُمْ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، فَمَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يُحْسِنْ، وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ رُوِيَ فِي تَحْرِيمِ الطِّينِ آثَارٌ كَاذِبَةٌ -: مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ الْحَدَثَانِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَمُرْسَلَاتٌ - وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧] . قَالَ: وَالطِّينُ لَيْسَ مِمَّا أَخْرَجَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ التَّمْوِيهِ الَّذِي جَرَوْا عَلَى عَادَتِهِمْ فِيهِ فِي إيهَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ، وَإِنَّمَا يَأْتُونَ بِمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ حَقٌّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ أَكْلِ مَا لَمْ يُخْرِجْ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا فِيهَا إبَاحَةُ مَا أَخْرَجَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ مَا عَدَا ذَلِكَ لَا بِتَحْلِيلٍ وَلَا بِتَحْرِيمٍ؛ فَحُكْمُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْأَرْضِ مَطْلُوبٌ مِنْ غَيْرِهَا. وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَانِعَةً مِنْ أَكْلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْأَرْضِ لَحَرُمَ أَكْلُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ بَرِّيِّهِ وَبَحْرِيِّهِ، وَلَحَرُمَ أَكْلُ الْعَسَلِ، والطرنجبين، وَالْبَرَدِ، وَالثَّلْجِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مِنْ الْأَرْضِ؛ فَالطِّينُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ فَكَيْفَ وَهُوَ مِمَّا فِي الْأَرْضِ وَمِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَرْضِ؟ لِأَنَّهُ مَعَادِنُ فِي الْأَرْضِ مُسْتَخْرَجَةً مِنْ الْأَرْضِ، وَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ دِينٌ أَنْ لَا يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا يَفْتَضِحُ فِيهِ مِنْ قُرْبٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>