للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ قَدْ بَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْغُسْلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبُلْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَقَوْلِنَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْغُسْلَ بِأَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ وَالْغُسْلُ إنَّمَا هُوَ لِنُزُولِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْجَسَدِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ مَا الْغُسْلُ إلَّا مِنْ ظُهُورِ الْجَنَابَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَلَوْ أَنَّ امْرَأً الْتَذَّ بِالتَّذَكُّرِ حَتَّى أَيْقَنَ أَنَّ الْمَنِيَّ قَدْ صَارَ فِي الْمَثَانَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ جُنُبًا بَعْدُ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وُجُوبَ الْغُسْلِ فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ. قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ إيجَابُ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حُجَّةً فِي مَسْأَلَةٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي أُخْرَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

[مَسْأَلَة أولج فِي الفرج وأجنب]

. ١٧٧ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْلَجَ فِي الْفَرْجِ وَأَجْنَبَ فَعَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي غُسْلِهِ ذَلِكَ لَهُمَا مَعًا، وَعَلَيْهِ أَيْضًا الْوُضُوءُ وَلَا بُدَّ، وَيُجْزِيهِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غُسْلٌ وَاحِدٌ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مِنْ الْإِيلَاجِ وَمِنْ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ نَوَى بَعْضَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَنْوِ سَائِرَهَا أَجْزَأَهُ لِمَا نَوَى، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِمَا لَمْ يَنْوِ، فَإِنْ كَانَ مُجْنِبًا بِاحْتِلَامٍ أَوْ يَقِظَةٍ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَطْ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ الْإِيلَاجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ وَمِنْ الْإِنْزَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيلَاجٌ، وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْإِيلَاجِ» ، فَهِيَ أَعْمَالٌ مُتَغَايِرَةٌ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَلَا بُدَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مَأْمُورٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>