للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ - وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْسَرُ الْفَخَّارُ وَالْعُودُ وَيُشَقُّ الْجِلْدُ وَيُغْسَلُ مَا عَدَا ذَلِكَ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ مِنْ فَتْحِ الَّذِي أَهْدَى رَاوِيَةَ الْخَمْرِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا فَتَحَ الْمُزَادَةَ وَأَهْرَقَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِخَرْقِهَا، وَنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَالْكَسْرُ وَالْخَرْقُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَمُتْلِفُ مَالِ غَيْرِهِ مُعْتَدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] .

وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَرَ كُوزًا فِيهِ شَرَابٌ وَشَقَّ الْمَشَاعِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَهِيَ الزِّقَاقُ» . وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ.

وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «شَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زُقَاقَ الْخَمْرِ» .

وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَقَّ زُقَاقَ الْخَمْرِ» .

وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَاقَ الْخَمْرَ وَكَسَرَ جِرَارَهَا» .

وَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ:

أَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ -: فَأَحَدُ طُرُقِهِ فِيهَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ.

وَالثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ أَبِي طُعْمَةَ وَهُوَ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ وَهُوَ لَا شَيْءَ.

وَالثَّالِثُ: مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ طَلْقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِيهِ عُمَرُ بْنُ صَهْبَانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ - وَفِيهِ أَيْضًا آخَرُ لَمْ يُسَمِّ.

وَحَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ - وَهُوَ مُطَّرَحٌ - فَلَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّتِي يَطْبُخُونَ فِيهَا لُحُومَ الْخَنَازِيرِ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَعَرَفَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا بِالْمَاءِ، ثُمَّ أَبَاحَ الْأَكْلَ فِيهَا وَالشُّرْبَ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِيمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>