للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَاصِيًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ فَرْضًا مِنْ إنْجَازِ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ، إلَّا عَلَى مَنْ وَعَدَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، كَإِنْصَافٍ مِنْ دَيْنٍ، أَوْ أَدَاءِ حَقٍّ فَقَطْ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ وَعَدَ وَحَلَفَ وَاسْتَثْنَى فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحِنْثُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحِنْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَعْدٍ أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ وَعْدٍ لَمْ يُقْسِمْ عَلَيْهِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] فَصَحَّ تَحْرِيمُ الْوَعْدِ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ وَعَدَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِي وَعْدِهِ ذَلِكَ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ اسْتَثْنَى فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُعَلِّقُهُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَكُونُ مُخْلِفًا لِوَعْدِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَعَدَهُ أَنْ يَفْعَلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَهُ لَأَنْفَذَهُ فَإِنْ لَمْ يُنْفِذْهُ، فَلَمْ يَشَأْ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ.

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] عَلَى هَذَا أَيْضًا مِمَّا يَلْزَمُهُمْ، كَاَلَّذِي وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذْ يَقُولُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: ٧٥] {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة: ٧٦] {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} [التوبة: ٧٧] .

فَصَحَّ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ، وَالْكَوْنَ مِنْ الصَّالِحِينَ وَاجِبٌ، فَالْوَعْدُ وَالْعَهْدُ بِذَلِكَ فَرْضَانِ: فُرِضَ إنْجَازُهُمَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذَا نَذْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّذْرُ فَرْضٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>