للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: ١٥٤] فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣] {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: ١٥٤] .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران: ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] .

فَصَحَّ أَنَّ الصِّرَاطَ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ وَأَتَانَا بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ صِرَاطُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ مُوسَى بِلَا شَكٍّ ثُمَّ آتَى اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى الْكِتَابَ، فَهَذَا تَعْقِيبٌ بِمُهْلَةٍ لَا شَكَّ فِيهِ.

فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [الأعراف: ١١] فَعَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَنْفُسَنَا وَصَوَّرَهَا، وَهِيَ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَهْدَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] .

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَسَجَدَ الْمَلَائِكَةَ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ - ثُمَّ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ عَنْ ظَاهِرِهَا، أَوْ كَانَتْ " ثُمَّ " لِغَيْرِ التَّعْقِيبِ فِيهَا لَمْ يَجِبْ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ " ثُمَّ " لِغَيْرِ التَّعْقِيبِ حَيْثُمَا وُجِدَتْ، لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ بِدَلِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ - وَهَذَا مِنْ تَمْوِيهِهِمْ الْفَاسِدِ الَّذِي لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ إلَّا فِي تَحْيِيرِ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي أَوَّلِ مَا يَفْجَئُونَهُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ كَانَا يُكَفِّرَانِ قَبْلَ الْحِنْثِ.

وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ دَعَا غُلَامًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ حَنِثَ، فَصَنَعَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ.

وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَزْهَرُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ: كَانَ يُكَفِّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ -: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَالْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ، وَسُفْيَانَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>