للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهَا «إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» «أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» . «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ لَيْسَ يُفْهَمُ مِنْهَا إلَّا أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَمِمَّنْ يَجِيءُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ لِلْإِتْيَانِ إلَى الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَلَا مَزِيدَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَقْتُ الْغُسْلِ، فَصَارَتْ أَلْفَاظُ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. وَعَهْدُنَا بِخُصُومِنَا يَقُولُونَ: إنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا فَهُوَ أَعْرَفُ بِتَأْوِيلِهِ، وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُجْزِئُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ، إلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَنَهَضَ إلَى الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ بَالَ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَنْتَقِضْ غُسْلُهُ وَيَتَوَضَّأُ فَقَطْ، فَإِنْ أَكَلَ أَوْ نَامَ انْتَقَضَ غُسْلُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَسُفْيَانُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد كَقَوْلِنَا، وَقَالَ طَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ غُسْلَهُ.

قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ، وَلَا لَهُ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَكَثِيرًا مَا يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا بِتَشْنِيعٍ خِلَافَ قَوْلِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهَذَا مَكَانٌ خَالَفُوا فِيهِ ابْنُ عُمَرَ، وَمَا يُعْلَمُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ.

فَإِنْ قَالُوا: مَنْ قَالَ قَبْلَكُمْ إنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ؟ قُلْنَا: كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ نَصًّا وَغَيْرِهِ، وَأَعْجَبُ شَيْءٍ أَنْ يَكُونُوا مُبِيحِينَ لِلْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَمُبِيحِينَ لِتَرْكِهِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْغُسْلِ فِي وَقْتٍ هُمْ يُبِيحُونَهُ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

[مَسْأَلَة غَسَلَ كُلّ مَيِّت مِنْ الْمُسْلِمِينَ فرض]

. ١٨٠ - مَسْأَلَةٌ: وَغُسْلُ كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أُخْرِجَ وَلَا بُدَّ، مَا دَامَ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيُغَسَّلُ إلَّا الشَّهِيدَ الَّذِي قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَمَاتَ فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ غُسْلُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>