للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَبْضَ فِي الرَّهْنِ مَعَ ذِكْرِهِ الْمُتَدَايِنَيْنِ فِي السَّفَرِ إلَى أَجَلٍ عِنْدَ عَدَمِ الْكَاتِبِ وَإِنَّمَا أَقْبِض رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّرْعَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ فَهُوَ الْقَبْضُ الصَّحِيحُ.

وَأَمَّا قَبْضُ غَيْرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَاشْتِرَاطُ أَنْ يَقْبِضَهُ فُلَانٌ لَا صَاحِبُ الدَّيْنِ: شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ

[مَسْأَلَةٌ رَهْنُ الْمُشَاعِ]

١٢١١ - مَسْأَلَةٌ:

وَرَهْنُ الْمَرْءِ حِصَّتَهُ مِنْ شَيْءٍ مُشَاعٍ مِمَّا يَنْقَسِمُ، أَوْ لَا يَنْقَسِمُ عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ جَائِزٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مَشَاعًا مِنْ مَقْسُومٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]

وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ - كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ - لَا عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ.

وَأَجَازُوا أَنْ يَرْهَنَ اثْنَانِ أَرْضًا مُشَاعَةً بَيْنَهُمَا عِنْدَ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَمَنَعُوا مِنْ أَنْ يَرْهَنَ الْمَرْءُ أَرْضَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ دَايَنَهُمَا دَيْنًا وَاحِدًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ - أَنَّهُ قَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ - وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ بَيْعَ الْمُشَاعِ جَائِزٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ.

وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ إجَازَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ فِيهِ وَحْدَهُ، فَأَجَازَهُ لَهُ.

وَهَذِهِ تَخَالِيطُ وَمُنَاقَضَاتٌ لَا خَفَاءَ بِهَا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا مَوَّهُوا بِهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ فِي الْمُشَاعِ.

وَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَقَدْ أَجَازُوا الْبَيْعَ فِي الْمُشَاعِ، فَالْقَبْضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>