للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الضَّمَانَ عَقْدٌ وَاجِبٌ، وَلَا يَجُوزُ الْوَاجِبُ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ، وَهُوَ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ، وَهَذَا مُحَالٌ وَقَوْلٌ مُتَفَاسِدٌ، وَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَلْزَمْ حِينَ الْتِزَامِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ فِي ثَانٍ، وَفِي حِينٍ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ، وَقَدْ لَا يُقْرِضُهُ مَا قَالَ لَهُ.

وَقَدْ يَمُوتُ الْقَائِلُ لِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ مَا أَمَرَهُ بِإِقْرَاضِهِ. فَصَحَّ بِكُلِّ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَوْلُ.

فَإِنْ قَالَ لَهُ: أَقْرِضْنِي كَذَا وَكَذَا وَادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ، أَوْ زِنْ عَنِّي لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، أَوْ أَنْفِقْ، عَنِّي فِي أَمْرِ كَذَا فَمَا أَنْفَقْت فَهُوَ عَلَيَّ، أَوْ ابْتَعْ لِي أَمْرَ كَذَا - فَهَذَا جَائِزٌ لَازِمٌ، لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَكَّلَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ.

وَأَجَازَ مَا ذَكَرْنَا بُطْلَانَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمَالِكٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ.

وَاحْتَجَّ لَهُمْ بَعْضُ الْمُمْتَحَنِينَ بِتَقْلِيدِهِمْ «بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ جَيْشَ الْأُمَرَاءِ، فَإِنْ مَاتَ، فَالْأَمِيرُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ مَاتَ، فَالْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» .

قَالَ: فَكَمَا تَجُوزُ الْمُخَاطَرَةُ فِي الْوِلَايَاتِ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الضَّمَانِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَبَيْنَ الضَّمَانِ، وَلَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ الضَّمَانُ فَرْضًا - وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَحُكْمٌ عَلَى حِيَالِهِ جَاءَ بِهِ النَّصُّ.

ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ قَالَ: أَنَا أَضْمَنُ لَك مَا أَقْرَضْته زَيْدًا ثُمَّ مَاتَ فَأَقْرَضَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ زَيْدًا مَا أَمَرَهُ بِهِ؟ أَيُلْزِمُونَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ فَهَذَا عَجَبٌ أَمْ لَا يُلْزِمُونَهُ؟ فَقَدْ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ الْفَاسِدَ، وَرَجَعُوا إلَى الْحَقِّ، وَلَئِنْ لَزِمَهُ ضَمَانُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ، فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ فِي مَالِهِ وَلَا بُدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.

وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ ضَمِنَ كُلَّ مَا يَتَدَايَنُ بِهِ زَيْدٌ إلَى انْقِضَاءِ عُمْرِهِ؟ فَإِنْ أَلْزَمُوهُ ذَلِكَ كَانَ شُنْعَةً مِنْ الْقَوْلِ، وَإِنْ لَمْ يُلْزِمُوهُ تَنَاقَضُوا.

وَنَقُولُ لَهُمْ: كَمَا لَمْ يَجُزْ الْغَرَرُ وَالْمُخَاطَرَةُ فِي الْبُيُوعِ، وَلَا جَازَ إصْدَاقُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>