للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ قُطِعَ مِنْ شُقَّةٍ فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الشُّقَّةِ، وَكُلَّ دَقِيقٍ طُحِنَ مِنْ حِنْطَةِ إنْسَانٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ، وَكُلَّ لَحْمٍ شُوِيَ فَهُوَ لِصَاحِبِ اللَّحْمِ - وَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَذَا ثُمَّ لَا يُبَالُونَ بِأَنْ يَقُولُوا: الْغَصْبُ، وَالظُّلْمُ، وَالتَّعَدِّي يُحِلُّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ لِلْغُصَّابِ.

وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَصْعَةِ الْمَكْسُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ الْخَبَرِ فَخَالَفُوهُ فِيمَا فِيهِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِخَبَرِ «الْمَرْأَةِ الَّتِي دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى طَعَامٍ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَرَادَتْ ابْتِيَاعَ شَاةٍ فَلَمْ تَجِدْهَا فَأَرْسَلَتْ إلَى جَارَةٍ لَهَا: ابْعَثِي إلَيَّ الشَّاةَ الَّتِي لِزَوْجِكِ فَبَعَثَتْ بِهَا إلَيْهَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّاةِ أَنْ تُطْعَمَ الْأَسَارَى» قَالَ هَذَا الْجَاهِلُ الْمُفْتَرِي: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الشَّاةِ قَدْ سَقَطَ عَنْهَا إذْ شُوِيَتْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يَصِحُّ، لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِقَوْلِهِمْ، إذْ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبْقِ ذَلِكَ اللَّحْمُ فِي مِلْكِ الَّتِي أَخَذَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ لِلْغَاصِبِ حَلَالٌ - وَهَذَا الْخَبَرُ فِيهِ: أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ رَأْيَهَا فِي ذَلِكَ - فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلُوا بِأَهْلِ مَاءٍ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَانْطَلَقَ النُّعْمَانُ فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُمْ: يَكُونُ كَذَا وَكَذَا - وَهُمْ يَأْتُونَهُ بِالطَّعَامِ وَاللَّبَنِ، وَيُرْسِلُ هُوَ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِهِ - فَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ فَقَالَ: أَرَانِي آكِلُ كِهَانَةَ النُّعْمَانِ مُنْذُ الْيَوْمِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَده فِي حَلْقِهِ فَاسْتَقَاءَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي مَغَازِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنْت فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَذَكَرَ قِسْمَتُهُ الْجَزُورَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَأَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ مِنْهَا، فَأَتَى بِهِ إلَى أَصْحَابِهِ فَطَبَخُوهُ فَأَكَلُوهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَنْهُ؟ فَأَخْبَرَهُمَا، فَقَالَا لَهُ: وَاَللَّهِ مَا أَحْسَنْت حِينَ أَطْعَمْتنَا هَذَا ثُمَّ قَامَا يَتَقَيَّآنِ مَا فِي بُطُونِهِمَا.

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ حُلِبَ لَهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ عُمَرُ أُصْبُعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>