للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: خَالَفْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] فَأَوْجَبْتُمْ أَنْ تَكْسِبَ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَنْفُذَ عَقْدُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ.

وَخَالَفْتُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَأَبَحْتُمْ لِلْمُسْتَأْجَرِ مَالَ غَيْرِهِ، وَأَبَحْتُمْ لَهُ مَالَ مَنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ قَطُّ فِيهِ عَقْدًا، وَمَنَعْتُمْ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ وَهَذَا حَرَامٌ، وَأَوْجَبْتُمْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ إجَارَةً عَلَى مَنَافِعَ حَادِثَةٍ فِي مَالٍ غَيْرِهِ، وَعَنْ خِدْمَةِ حُرٍّ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ؛ وَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَأَكْلُ إجَارَةِ مَالٍ حَرَامٍ عَلَيْهِ عَيْنُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ - وَهَذَا كُلُّهُ ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِيمَنْ دَفَعَ غُلَامَهُ إلَى رَجُلٍ يُعَلِّمُهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ شَرْطِهِ، قَالَ: يَرُدُّ عَلَى مُعَلِّمِهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ أَجَّرَ غُلَامَهُ سَنَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. قَالَ حَمَّادٌ: لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ إلَّا مِنْ مَضَرَّةٍ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: الْبَيْعُ يَقْطَعُ الْإِجَارَةَ. قَالَ أَيُّوبُ لَا يَقْطَعُهَا، قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَأَلْت ابْنَ شُبْرُمَةَ عَنْ الْبَيْعِ أَيَقْطَعُ الْإِجَارَةَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْمَوْتُ وَالْبَيْعُ يَقْطَعَانِ الْإِجَارَةَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ فَالْبَيْع صَحِيحٌ، وَلَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَى إلَّا بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ.

وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ نَافِذٌ وَالْهِبَةُ، وَعَلَى الْمُعْتِقِ إبْقَاءُ الْخِدْمَةِ، وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالْمُعْتِقِ وَالْوَاهِبِ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَتَكُونُ الْإِجَارَةُ لِلْبَائِعِ أَوْ رَدُّهُ، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا اشْتَرَى - وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَوْلَيْنِ - أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ نَقْضَ الْبَيْعِ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>