للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عَلِيٌّ: وَأَيْضًا - فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ لِأَنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ إلَّا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، وَأَنْتُمْ تُبِيحُونَهَا بِكُلِّ عَرْضٍ فِي الْعَالَمِ حَاشَا الطَّعَامَ، أَوْ مَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهَا كُلَّهَا.

فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا مِنْ الْقَائِلِينَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - فَمَا يَبْعُدُ عَنْهُمْ التَّجَاسُرُ وَالْهُجُومُ عَلَى مِثْلِ هَذَا: أَكْذَبُهُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تُكْرَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ إلَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ - وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ جَيِّدٌ.

فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا عَدَاهُمَا؟ قُلْنَا: فَقِيسُوا إعْطَاءَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ.

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: فَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ، وَنَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَزْرَعَهَا صَاحِبُهَا أَوْ يَمْنَحَهَا أَوْ يُمْسِكَ أَرْضَهُ فَقَطْ.

فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَصَحَّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ، وَصَحَّ عَنْ رَافِعٍ الْمَنْعُ مِنْهُ أَيْضًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَغْلِيبُ الْإِبَاحَةِ فِي كِرَائِهَا بِكُلِّ عَرْضٍ وَكُلِّ شَيْءٍ مَضْمُونٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ كَمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو يُوسُفَ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَغَيْرُهُمْ.

أَوْ تَغْلِيبُ الْمَنْعِ جُمْلَةً، كَمَا فَعَلَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَعَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

أَوْ أَنْ يُغَلَّبَ النَّهْيُ حَيْثُ لَمْ يُوقَنْ أَنَّهُ نُسِخَ وَيُؤْخَذُ بِالنَّاسِخِ إذَا تُيُقِّنَ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَطَاوُسٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَغَيْرُهُمْ.

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَنْ غَلَّبَ الْإِبَاحَةَ قَدْ أَخْطَأَ، لِأَنَّ مَعْهُودَ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>