للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِبَاحَةُ عَلَى مَا رَوَى رَافِعٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ» وَقَدْ كَانَتْ الْمَزَارِعُ بِلَا شَكٍّ تُكْرَى قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ مَبْعَثِهِ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ، ثُمَّ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَرَافِعٍ، وَظُهَيْرٍ الْبَدْرِيُّ وَآخَرَ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ، وَابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ جُمْلَةً» فَبَطَلَتْ الْإِبَاحَةُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ.

فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ رَجَعَ، وَأَنَّ يَقِينَ النَّسْخِ قَدْ بَطَلَ، فَهُوَ كَاذِبٌ مُكَذِّبٌ، قَائِلٌ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَهَذَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى ذَلِكَ بِبُرْهَانٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا، إلَّا فِي إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ [مُسَمًّى] مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ النَّهْيِ بِأَعْوَامٍ، وَأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ بَاقٍ بِيَقِينٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُنْسَخَ حُكْمٌ قَدْ بَطَلَ وَنُسِخَ ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ، وَأَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ، وَإِلَّا فَكَأَنَّ الدِّينَ غَيْرُ مُبَيَّنٍ - وَهَذَا بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا.

[مَسْأَلَةٌ التِّبْنُ فِي الْمُزَارَعَةِ]

١٣٣٠ - مَسْأَلَةٌ: وَالتِّبْنُ فِي الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ عَلَى مَا تَعَامَلَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا.

[مَسْأَلَةٌ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ يُسَلِّفَ الْعَامِلَ بَذْرًا]

١٣٣١ - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ يُسَلِّفَ الْعَامِلَ بَذْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ يُعِينَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَعَاوُنٌ عَلَى بِرٍّ وَتَقْوَى، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ شَرْطٍ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَفُسِخَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَعَقْدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الَّذِينَ دَفَعَ إلَيْهِمْ خَيْبَرُ إنَّمَا كَانَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ اتَّفَقَا تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ]

١٣٣٢ - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ اتَّفَقَا تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا شَيْئًا فَحَسَنٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا نَهَى عَنْ ذِكْرِهِ، فَهُوَ مُبَاحٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُزْرَعَ فِيهَا شَيْءٌ مَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ شُرِطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ لَا يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِأَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ - إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَجَرٌ - فَهَذَا وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّ خِلَافَهُ فَسَادٌ وَإِهْلَاكٌ لِلْحَرْثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>