للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَهْدِمَهُ إنْ شَاءَ فِي دَارِ جَارِهِ، أَوْ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَوْ نَافِذٍ، وَيُقَالُ لِجَارِهِ: ابْنِ فِي حَقِّك مَا تَسْتُرُ بِهِ عَلَى نَفْسِك؟ إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الِاطِّلَاعِ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ. وَلَا يَحِلُّ لِلْجَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِحَائِطِ جَارِهِ إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِذَلِكَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهْدِمَ حَائِطَهُ فَلَا يُكَلَّفُ بُنْيَانَهُ وَيَقُولُ لِجَارِهِ: اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت، وَبَيْنَ أَنْ يَهْدِمَ هُوَ حَائِطُ نَفْسِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّقْفِ وَالِاطِّلَاعِ مِنْهُ وَبَيْنَ قَاعِ الدَّارِ وَالِاطِّلَاعِ مِنْهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ فَتْحِ كُوَّةٍ لِلضَّوْءِ وَبَيْنَ فَتْحِهَا هَكَذَا وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ، يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ مِنْهُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ يَمْنَعُ الْمَرْءَ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَقِّهِ وَفِي حَائِطِهِ مَا شَاءَ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلًا، أَوْ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا زُهَيْرُ بْنُ ثَابِتٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ. وَلَا ضَرَرَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُمْنَعَ الْمَرْءُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ مُرَاعَاةً لِنَفْعِ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الضَّرَرُ حَقًّا. وَأَمَّا الِاطِّلَاعُ فَمَنْعُهُ وَاجِبٌ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِعَصًا فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى «بِحَصَاةٍ» هُوَ أَصَحُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>