للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا خِطَابًا قَصَدَ بِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: ١٣٥]

فَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مَأْمُورٌ بِالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ.

وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إقْرَارُ الْعَبْدِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَإِنَّمَا هُوَ مُقِرٌّ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤]

قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ وَإِنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ إنْسَانٌ تَلْزَمُهُ أَحْكَامُ الدِّيَانَةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَاسِبٌ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْرَارِهِ.

وَقَدْ وَافَقُونَا: لَوْ أَنَّ أَجِيرًا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِحَدٍّ لَلَزِمَهُ، وَفِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ إبْطَالُ إجَارَتِهِ إنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ قَتْلًا أَوْ قَطْعًا وَلَيْسَ بِذَلِكَ كَاسِبًا عَلَى غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[إقْرَار الْأَجِير]

١٣٧٩ - مَسْأَلَةٌ:

وَبِإِقْرَارِهِ مَرَّةً يَلْزَمُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدٍّ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ مَالٍ - وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لَا يَلْزَمُ الْحَدُّ فِي الزِّنَى إلَّا بِإِقْرَارِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْزَمُ فِي السَّرِقَةِ إلَّا بِإِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ، وَأَقَامُوا ذَلِكَ مَقَامَ الشَّهَادَةِ - وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّ مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» .

قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ هَذَا وَجَاءَ أَنَّهُ رَدَّهُ أَقَلَّ، وَرُوِيَ أَكْثَرَ - إنَّمَا رَدَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ اتَّهَمَ عَقْلَهُ، وَاتَّهَمَهُ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الزِّنَى؟ هَكَذَا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَنْكِهُوهُ هَلْ شَرِبَ خَمْرًا؟ أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ «وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعَثَ إلَى قَوْمِهِ يَسْأَلُهُمْ عَنْ عَقْلِهِ» ؟ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ: «أَتَدْرِي مَا الزِّنَى؟ لَعَلَّكَ غَمَزْتَ أَوْ قَبَّلْتَ» ؟ فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا كُلُّهُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: لَا يُحَدُّ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ هَذَا الشَّرْطُ فِيمَا تُقَامُ بِهِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَيَلْزَمُهُمْ إذْ أَقَامُوا الْإِقْرَارَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنْ يُقِيمُوهُ مَقَامَهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَلَا يَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ أَقَرَّ بِمَالٍ حَتَّى يُقِرَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>