للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إقْرَارَ الصَّحِيحِ لِلْوَارِثِ وَلِغَيْرِ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ - كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ -.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثٍ فَأَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.

وَاخْتَلَفَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ - وَرَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ لَا يُؤَثَّرُ بِهِ لِتَفَاهَتِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ بِإِرْبِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ عَاقٍّ جَازَ إقْرَارُهُ لَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ.

وَقَالَ فِي إقْرَارِهِ لِزَوْجَتِهِ بِدَيْنٍ أَوْ مَهْرٍ: فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ انْقِطَاعٌ إلَى الزَّوْجَةِ، وَلَا مَيْلٌ إلَيْهَا فَإِقْرَارُهُ لَهَا جَائِزٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَيْلٌ إلَيْهَا - وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا تَفَاقُمٌ - لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لَهَا.

قَالَ: وَلَيْسَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ كَالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّهِمُ فِي الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَيْهَا مَيْلٌ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ عَنْ وَلَدِهِ إلَيْهَا، قَالَ: فَإِنْ وَرِثَهُ بَنُونَ أَوْ إخْوَةٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ فِي مَرَضِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةً، وَعَصَبَةً، فَأَقَرَّ لِبَعْضِ الْعَصَبَةِ جَازَ ذَلِكَ.

وَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ إذَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ أَوْ عَصَبَتُهُ، فَإِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ: جَازَ إقْرَارُهُ لَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَقْوَالٌ مَبْنِيَّةٌ - بِلَا خِلَافٍ - عَلَى الظُّنُونِ الزَّائِغَةِ وَعَلَى التُّهْمَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» .

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨] .

وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.

وَلَا يَخْلُو إقْرَارُ الْمَرِيضِ عِنْدَهُمْ إذَا اتَّهَمُوهُ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ هِبَةً أَوْ يَكُونَ وَصِيَّةً -:

<<  <  ج: ص:  >  >>