للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ بِبَعْضِ كَلَامِهِ دُونَ بَعْضٍ لَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ كَلَامِهِ إذَا انْفَرَدَ -: كُفْرٌ صَحِيحٌ - وَهُوَ قَوْلُهُ " لَا إلَهَ " فَيُقَالُ لَهُ: كَفَرْت، ثُمَّ نَدِمْت - وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا

وَلَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَبْطُلَ الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ بِمِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِمَا أَثْبَتَهُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا اسْتَثْنَى.

وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ نَوْعِ مَا قَبْلَهُ لَا مِنْ نَوْعِ غَيْرِهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: ١٠] {إِلا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: ١١] .

وَقَالَ تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: ٣٠] {إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: ٣١] فَاسْتَثْنَى إبْلِيسَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، بَلْ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ يَنْسِلُونَ، وَالْمَلَائِكَةُ لَا تَنْسِلُ، وَاسْتَثْنَى تَعَالَى: {مَنْ ظَلَمَ} [النمل: ١١] مِنْ الْمُرْسَلِينَ، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ صِفَتِهِمْ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ

وَلَيْسَ " الْيَعَافِيرُ " وَ " الْعِيسُ " مِنْ " الْأَنِيسِ " وَقَدْ اسْتَثْنَاهُمْ الشَّاعِرُ الْعَرَبِيُّ الْفَصِيحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>