للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا» .

فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمَا فِي حِجْرِ غَيْرِهِمَا يَتِيمَانِ فَلَمْ يُسَاوِمْهُ وَلَا شَاوَرَهُ، وَلَا ابْتَاعَهُ مِنْهُ، بَلْ سَاوَمَهُمَا وَأَنْفَذَ بَيْعَهُمَا فِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلَّذِي كَانَا فِي حِجْرِهِ فِي ذَلِكَ أَمْرًا.

فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَقْبَلْ هِبَتَهُمَا إيَّاهُ؟ قُلْنَا: قَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، أَوْ شَهْرٍ، «إذْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْهِجْرَةَ فَقَدَّمَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إحْدَى نَاقَتَيْنِ لَهُ، وَقَالَ لَهُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَبَهَا إلَّا بِالثَّمَنِ فَابْتَاعَهَا مِنْهُ» فَرَدُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هِبَةَ الْيَتِيمَيْنِ كَرَدِّهِ هِبَةَ أَبِي بَكْرٍ وَلَا فَرْقَ - لَيْسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ.

وَبُرْهَانُ هَذَا إجَازَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْعَهُمَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ هِبَتُهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَرِيضِ، وَالْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ، فِي الْمُحَابَاةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ خَاصَّةً - وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ لَا مَغْمَزَ فِيهِ، وَعُقَيْلٌ أَحَدُ الْمُخْتَصِّينَ بِالزُّهْرِيِّ، الْمُتَحَقِّقِينَ بِهِ، الْمُلَازِمِينَ لَهُ - وَكَذَلِكَ عُرْوَةُ بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.

وَقَدْ رُوِّينَا خَبَرًا لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِهِ لَبَغَوْا، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَدِينِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ شُيُوخَهُ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ خَالِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا الْأَثَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَهُوَ خِلَافٌ لِمَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْهُ فِي الْحَجْرِ الَّذِي لَا بَيَانَ فِيهِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>